الله، لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى، وهي خمس مئة وخمسون سنة، أو بينك وبين إسماعيل، على أن دعوة موسى وعيسى مختصة ببني إسرائيل، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ويتعظون بإنذارك.
وتغيير الترتيب الوقوعي بين قضاء الأمر، والثواء في أهل مدين، والنداء، للتنبيه على أن كلًّا من ذلك برهان مستقل، على أن حكايته عليه السلام للقصة بطريق الوحي الإلهي، ولو ذكر أولًا نفي ثوائه - ﷺ - في أهل مدين، ثم نفي حضوره - ﷺ - عند قضاء الأمر، كما هو الموافق للترتيب الوقوعي، لربما توهم أن الكل دليل واحد كما في "الإرشاد".
ثم من التذكير تجديد العهد الأزلي، وذلك بكلمة الشهادة، وهي سبب النجاة في الدارين.
واعلم (١): أن الله سبحانه لما بيَّن قصة موسى عليه السلام لرسوله - ﷺ - جمع بين هذه الأحوال الثلاثة العظيمة، التي اتفقت لموسى، فالمراد بقوله: ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ هو إنزال التوراة عليه حتى تكامل دينه، واستقر شرعه.
والمراد بقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ أول أمر موسى، والمراد بقوله: ﴿إِذْ نَادَيْنَا﴾ ليلة المناجاة، فهذه أعظم أحوال موسى، ولما بيَّنها لرسوله، ولم يكن في هذه الأحوال حاضرًا بيَّن الله سبحانه أنه بعثه، وعرَّفه هذه الأحوال الدالة على نبوته - ﷺ -، ومعجزته، كأنه قال: في إخبارك عن هذه الأشياء، من غير حضور ولا مشاهدة دلالة ظاهرة على نبوتك.
وحاصل معنى الآية (٢): أي وما كنت بجانب جبل الطور ليلة المناجاة، وتكليم الله موسى حتى تُحدث أخبارها، وتفصِّل أحوالها، حديث الخبير العليم ببواطن أمورها وظواهرها، ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بتلك الأخبار، وبغيرها مما فيه صلاح البشر وسعادتهم، في معاشهم ومعادهم، لتنذر قومًا لم يأتهم قبلك

(١) الخازن.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon