منقطع؛ أي: لكن الله سبحانه يعلمه؛ لأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض. ورفع (١) بعد إلا مع كون الاستثناء منقطعًا، هو على اللغة التميمية، كما في قولهم: إلا اليعافير وإلا العيس، وقيل إن فاعل ﴿يَعْلَمُ﴾ ما بعد ﴿إِلَّا﴾، وهو لفظ الجلالة، ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ مفعوله مقدم على الفاعل، و ﴿الْغَيْبَ﴾ بدل من ﴿مَنْ﴾؛ أي: لا يعلم غيب من في السماوات والأرض إلا الله؛ أي: لا يعلم الأشياء التي تحدث في السماوات والأرض الغائبة عنا إلا الله تعالى.
والحاصل (٢): أن الله سبحانه يقول آمرًا رسوله - ﷺ -: أن يُعلم جميع خلقه أنه لا يعلم الغيب أحد من أهل السماوات والأرض، بل الله وحده هو الذي يعلم ذلك، كما قال: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ الآية، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ الآية.
والمراد بالغيب: الشؤون التي تتعلق بأمور الآخرة وأحوالها، وشؤون الدنيا التي لا تقع تحت حسِّنا، وليست في مقدورنا، وعن مسروق عن عائشة - رضي الله عنها -، أنها قالت: مَن زعم أن النبي - ﷺ - يعلم ما يكون في غد فقد أعظم الفرية على الله؛ لأن الله يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾.
ثم ذكر بعض ذلك فقال: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾؛ أي: وما يشعر من في السماوات من الملائكة، ولا من في الأرض من الإنس والجن، ولا يعلمون ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: متى ينشرون من قبورهم لقيام الساعة، والله سبحانه تفرد بعلم ذلك؛ أي: وما يدري من في السماوات والأرض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة، كما قال: ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾؛ أي: ثقل علمها على أهل السموات والأرض فلا يشعرون بها، بل تأتيهم بغتة، فـ ﴿أَيَّانَ﴾ (٣) مركبة من أي واَن، فأي للاستفهام، وآن بمعنى الزمان، فلما ركبا
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.