الكلام: كل منهما سحر يقوي الآخر، فنسب التظاهر إلى السحرين. توسعًا في الكلام.
وقرأ الجمهور (١): ﴿تَظَاهَرَا﴾ فعلًا ماضيًا على وزن تفاعل. وقرأ طلحة والأعمش: ﴿أظَّاهرا﴾ بهمزة الوصل، وشدِّ الظاء، وكذا هي في حرف عبد الله، وأصله تظاهرًا، فادغم التاء في الظاء فاجتلبت همزة الوصل، لأجل سكون التاء المدغمة، وقرأ محبوب عن الحسن ويحيى بن الحراث الذماري وأبو حيوة وأبو خلا عن اليزيدي: ﴿تظاهرًا﴾ بالتاء وتشديد الظاء، وقال ابن خالويه: وتشديده لحق؛ لأنه فعل ماض، وإنما يشدد في المضارع.
وقال بعضهم: المعنى (٢): أولم يكفر أبناء جنسهم في الرأي والمذهب وهم القبط، بما أوتي موسى من قبل القرآن، قالوا: إن موسى وهارون سحران؛ أي: ساحران تظاهرا، وقالوا: ﴿إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾، يقول الفقير: إنه وإن صح إسناد الكفر إلى أبناء الجنس، من حيث إن ملل الكفر واحدة في الحقيقة، فكُفْر ملة واحدة بشيء في حكم كفر الملل الأخرى به، كما أسند أفعال الآباء إلى الأبناء من حيث رضاهم بما فعلوا لكن يلزم على هذا أن يخص ما أوتي موسى بما عدا الكتاب من الخوارق، فإن إيتاء الكتاب إنما كان بعد إهلاك القبط.
فالمعنى الأول هو الذي يستدعيه جزالة النظم الكريم، ويدل عليه صريحًا قوله تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ...﴾ الآية.
٤٩ - ثم أمر الله سبحانه رسوله - ﷺ - أن يتحدى قومه، بأن يأتوا بكتاب أهدى للبشر، وأصلح لحالهم في المعاش والمعاد من التوراة والقرآن، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الكفار الذين يقولون هذا القول تعجيزًا لهم، وتوبيخًا ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ﴾ سبحانه ﴿هُوَ﴾؛ أي: ذلك الكتاب ﴿أَهْدَى﴾؛ أي: أكثر هداية للبشر وأصلح لهم ﴿مِنْهُمَا﴾؛ أي: مما أوتياه من التوراة والقرآن؛ أي: إذا لم تؤمنوا بهذين الكتابين، وقلتم فيهما ما قلتم فأتوا بكتاب من عند الله هو أوضح

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon