في هداية الخلق منهما.
﴿أَتَّبِعْهُ﴾ جواب الأمر؛ أي: فإن أتيتم بذلك الأهدى، وجئتم به فإني لأتركهما وأتبع ما تجيئون به، ومثل هذا الشرط يقوله من وضحت حجته وسنحت محجته؛ لأن الإتيان بما هو أهدى من الكتابين أمر بيِّن الاستحالة، فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإفحام والتعجيز المشوب بالتوبيخ.
﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في أن التوراة والقرآن سحران مختلفان، وفي إيراد كلمة ﴿إِنْ﴾ مع امتناع صدقهم نوع تهكم بهم، وفيه أيضًا دليل على أن قراءة الكوفيين: ﴿سحران﴾ أقوى من قراءة الجمهور، لأنه رجع الكلام إلى الكتابين، لا إلى الرسولين، ومعنى ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾؛ أي: إن كنتم فيما وصفتم به الكتابين أو الرسولين صادقين جادين.
وقرأ زيد بن علي برفع (١): ﴿أتبعه﴾ على الاستئناف؛ أي: فأنا أتبعه، قال الفراء: إنه على هذه القراءة صفة للكتاب.
٥٠ - ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾؛ أي: فإن لم يستجب لك يا محمد هؤلاء الكفرة دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى، ولن يستجيبوا، كقوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ فحذف المفعول به، وهو دعاؤك للعلم به، ولأن فعل الاستجابة يتعدى بنفسه إلى الدعاء، وباللام إلى الداعي، فإذا عدي إليه حذف الدعاء غالبًا. كقوله:

وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيْبُ إِلَى النِّدَا فَلَمْ يَسْتَجِيْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيْبُ
أي: فإن لم يفعلوا ما كلفتهم به من الإتيان بكتاب هو أهدى من الكتابين، وجواب الشرِط قوله: ﴿فَاعْلَمْ﴾ يا محمد ﴿إنَّمَا يَتَّبِعُونَ﴾؛ أي: إنما يتبع هؤلاء الكفرة ﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾؛ أي: آراءهم الزائغة واستحساناتهم الزائفة، واختراعاتهم الفاسدة، بلا حجة ولا برهان، إذ لو كان لهم ذلك لأتوا به.
(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon