سوءهم، لا سلام تحية وإكرام.
﴿لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾؛ أي: لا نطلب صحبتهم، ولا نريد مخالطتهم ومخاطبتهم، والتخلق بأخلاقهم، ولا نجازيهم بالباطل على باطلهم، فإن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل الكتاب، ويقولون: تبًا لكم تركتم دينكم، فيُعرضون، ولا يردون عليهم، قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال، وقال صاحب "الروح": وحكم الآية وإن كان منسوخًا بآية السيف إلا أنَّ فيها حثًا على مكارم الأخلاق.
وفي الحديث: "ثلاث من لم يكنَّ فيه فلا يعتد بعلمه، حلم يرد به جهل جاهل، وورع يحجز عن معاصي الله، وحسن خلق يعيش به في الناس". وما أحسن قول بعضهم:

إِذَا رَأَيْتَ أَثِيْمَا كُنْ سَاتِرًا وَحَلِيْمَا
يَا مَنْ يُقَبِّحُ لَغْوِيْ لِمْ لَا تَمُرُّ كَرِيْمَا
والمعنى (١): أي وإذا سمعوا ما لا ينفع في دين ولا دنيا من السب والشتائم، وتكذيب الرسول.. أعرضوا عن قائليه، ولم يخالطوهم، وإذا سفه عليهم سفيه، وكلمهم بما لا ينبغي رده من القول.. لم يقابلوه بمثله، إذ لا يصدر منهم إلا طيب الكلام، وقالوا: لنا أعمالنا، لا تثابون على شيء منها، ولا تعاقبون، ولكم أعمالكم لا نطالب بشيء منها، فنحن لا نشغل أنفسنا بالرد عليكم، سلام عليهم، سلام متاركة وتوديع، فإنا لا نريد طريق الجاهلين، ومثل الآية، قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾.
روى محمد بن إسحاق أنه قدم على رسول الله - ﷺ - وهو بمكة عشرون رجلًا أو يزيدون من نصارى الحبشة، حين بلغهم خبره، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه، وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مساءلته عما أرادوا دعاهم إلى الله، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوه فاضت
(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon