الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (١) فيما سلف أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى آمنوا به، وجاؤوا إليه زرافات ووحدانًا من كل فج عميق، وجابوا الفيافي، وقطعوا البحار للإيمان به، بعد أن سمعوا أخباره، وترامت لهم فضائله وشمائله، وقد كان في هذا مقنع لقومه أن يؤمنوا به، وأن تُحدِّثه نفسه الشريفة بالطمع في إيمانهم، ودخول الهدى في قلوبهم، والانتفاع بما آتاه الله من العرفان، فتكون لهم به السعادة في الدنيا والآخرة.. أردف ذلك الآية الأولى تسلية له - ﷺ -، إذ لم ينجع في قومه الذين يُحبهم ويحرص عليهم أشد الحرص إنذاره وإبلاغه، فيقبلوا ما جاء به، بل أصروا على ما هم عليه، وقالوا: ﴿لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾، فكانوا على عكس قوم هم أجانب عنه آمنوا بما جاء به، وقالوا: ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾.
قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) أن التمتع بزينة الدنيا وزخرفها دون طاعة الله وعظيم شكره على نعمه يكون وبالًا على الكافر يوم القيامة حين يحضر للعذاب.. أردف ذلك بيان ما يحصل في هذا اليوم من الإهانة والتقريع للمشركين، حين يسألهم سؤالات يحارون في الجواب عنها، ويشتد عليهم الخطب حين لا يجدون مخلصًا، ومعذرة تُبرِّر لهم ما كانوا يقترفون، فيسألهم أولًا عن الآلهة التي كانوا يعبدونها في الدنيا، من أصنام وأوثان، هل ينصرونهم أو ينتصرون، ثم يأمرهم بدعوتهم فلا يجدون منهم ردًا، ثم يسألهم عما أجابوا به الرسل حين دعوهم إلى الإيمان بربهم، فتخفى عليهم الحجج التي تُنجيهم من العذاب الذي لا مفر لهم منه، ولا يستطيع بعضهم أن يسأل بعضًا عما يلقنه من حجة لهول الموقف، واشتداد الخطب، ثم ذكر بعدئذٍ حال المؤمنين بربهم الذين عملوا صالح الأعمال، وبيَّن أنهم يلقون الفوز والظفر بالمراد فضلًا من ربهم ورحمة.

(١) المراغي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon