قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، فيدخل في ذلك أبو طالب دخولًا أوليًا، وذلك أن النبي - ﷺ - قال لأبي طالب عند الموت: "يا عم قل: لا إله إلا الله، أشهد لك بها يوم القيامة" قال: لولا أن تعيرني قريش - يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع - لأقررت بها عينك، ثم أنشد مخاطبًا لرسول الله - ﷺ -:
وَدَعَوْتَنِيْ وَعَلِمْتُ أنَّكَ صَادِقٌ | وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ قَبْلُ أَمِيْنَا |
وَلَقْدَ عَلِمْتُ بِأن دِيْنَ مُحمدٍ | مِنْ خَيْرِ أدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِيْنَا |
لَوْلَا الْمَلاَمَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّةٍ | لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِيْنَا |
وبمعنى الآية قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ وقوله: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)﴾.
فإن قلت (١): إن بين هذه الآية وآية ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ تناقضًا فما وجه الجمع بينهما؟
قلت: يُجمع بينهما بأن المنفي هنا خلق الهداية التي هي عبارة عن تقليب القلب من الباطل - وهو ما سوى الله - إلى الحق، وهو الله سبحانه، فليس هذا من شأن غير الله سبحانه، والمثبت هناك الدلالة على الدين القويم، وهذا هو الذي كان من شأن النبي - ﷺ - وغيره من كل مرشد.
٥٧ - ثم أخبر سبحانه عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباعهم للهدى، فقال: ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: قال مشركو مكة ومن تابعهم ﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ﴾ وندخل في
(١) البيضاوي بتصرف وزيادة.