قلتم: تركنا الدين لئلا تفوتنا الدنيا؟!.
وقيل: ﴿مَا﴾ شرطية ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ بيان لها، وقوله: ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ خبر مبتدأ محذوف، والجملة جوابها، أي: فهو متاع الحياة الدنيا. والمهزة في قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تتفكرون فلا تعقلون أن الدنيا فانية، والآخرة باقية؛ أي: ألا تتفكرون فلا تعقلون هذا الأمر الواضح، فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، وتؤثرون الشقاوة الحاصلة من الكفر والمعاصي على السعادة المتولدة من الإيمان والطاعات.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بالتاء الفوقانية على خطابهم وتوبيخهم، في كونهم أهملوا العقل في العاقبة، ونسب هذه القراءة أبو علي في "الحجة" إلى أبي عمرو وحده، وفي "التحرير والتحبير" بين الياء والتاء عن أبي عمرو، وقرأ أبو عمرو: ﴿يعقلون﴾ بالياء إعراض عن خطابهم، وخطاب لغيرهم، كأنه قال انظروا إلى هؤلاء وسخافة عقولهم، وقراءة الجمهور أرجح لقوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ﴾.
ومعنى الآية (٢): أي وما أُعطيتم أيها الناس من شيء من الأموال والأولاد فإنما هو متاع، تتمتعون به في الحياة الدنيا، وتتزينون به فيها، وهو لا يُغني عنكم شيئًا عند ربكم، ولا يُجديكم شروى نقير لديه، وما عنده خير لأهل طاعته وولايته، لدوامه وبقائه، بخلاف ما عندكم، فإنه ينفد وينقطع بعد أمد قصير، ونحو الآية قوله: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾، وقوله: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾، وقوله: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)﴾. وفي الحديث: "والله ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر ماذا يرجع إليه".
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أي: أفلا عقول لكم أيها القوم، تتدبرون بها فتعوفوا الخير من الشر، وتختاروا لأنفسكم خير المنزلتين على شرهما، وتؤثروا الدائم الذي لا

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon