﴿الَّذِينَ﴾ خبره ﴿أَغْوَيْنَا﴾ صلة الموصول، حذف منها العائد، ومرادهم با لإشارة بيان أنهم يقولون ما يقولون بمحضر منهم، وأنهم غير قادرين على إنكاره ورده؛ أي: قال الرؤساء: يا ربنا هؤلاء الأتباع والعبدة هم الذين أغويناهم، وأضللناهم بتسويلنا لهم، ودعوناهم إلى الغي والضلال ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾؛ أي: أضللناهم كما ضللنا، فغووا غيًا مثل غيِّنا.
والمعنى: هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان، كما آثرناه نحن، ونحن كنا السبب في كفرهم فقبلوا منا، وهو استئناف (١) للدلالة على أنهم غووا باختيارهم، وأنهم لم يفعلوا لهم إلا وسوسة وتسويلًا، وهذا هو الجواب في (٢) الحقيقة، وما قبله تمهيد له؛ أي: ما أكرهناهم على الغي، وإنما أغوينا بما قضيت لنا ولهم الغواية والضلالة، يعنون (٣) أنا لم نغو إلا باختيارنا، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم؛ لأن إغوائنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلًا، فلا فرق إذًا بين غيِّنا وغيِّهم، وإن كان تسويلنا داعيًا لهم إلى الكفر، فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل، وما بعث إليهم من الرسل، وأنزل عليهم من الكتب، وهو كقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ إلى قوله: ﴿وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.
ولم يقولوا: أغويناهم كما أغويتنا، كما قال إبليس: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ تأدبًا مع الرب سبحانه، وقرأ (٤) أبان عن عاصم وبعض الشاميين: ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ كسر الواو، قال ابن خالويه، وليس ذلك مختارًا؛ لأن كلام العرب غويت من الضلالة، وغويت من البشم.
﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ﴾ يا رب منهم، ومما اختاروه من الكفر والمعاصي هوًى منهم، وهو تقرير لما قبله، ولذا لم يُعطف عليه، قوله: ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ إيانا مفعول ﴿يَعْبُدُونَ﴾؛ أي: ما كانوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم،

(١) البيضاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) النسفي.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon