يجزي السيئة إلا بمثلها، ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبع مئة.
٨٥ - ﴿إِنَّ الَّذِي﴾؛ أي: إن الله الذي ﴿فَرَضَ﴾ وأنزل ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿الْقُرْآنَ﴾ وأوجب عليك تلاوته وتبليغه، والعمل به ﴿لَرَادُّكَ﴾ ومرجِّعك بعد الموت ﴿إِلَى مَعَادٍ﴾؛ أي: إلى مرجع عظيم، يغبطك به الأولون والآخرون، وهو المقام المحمود الموعود ثوابًا على إحسانك في العمل، وتحمُّل هذه المشقات التي لا تحملها الجبال.
وأكثر أهل التفسير على أن المراد بالمعاد مكة، تقول العرب: رُدَّ فلان إلى معاده، يعني إلى بلده، يتصرف في الأرض، ثم يعود إلى بلده، والآية نزلت (١) بالجحفة بتقديم الجيم المضمومة على الحاء الساكنة، موضع بين مكة والمدينة، وهو ميقات أهل الشام، وكانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلًا من مكة، وكانت تسمى مهيعة، فنزلها بنو عبيد، وهم أخوة عاد، وكان أخرجهم العماليق من يثرب، فجاءهم سيل فأجحفهم؛ أي: ذهب بهم، فسُمِّيَتْ جحفة.
وروى مقاتل: أنه - ﷺ - لما خرج من الغار مهاجرًا إلى المدينة ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - عدل عن الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق، ونزل بالجحفة وعرف الطريق إلى مكة، واشتاق إليها، وذكر مولده وموطنه، ومولد آبائه، وبها عشيرته، وحرم إبراهيم عليه السلام فنزل عليه الملك فقال له: أتشتاق إلى بلدك، ومولدك، فقال النبي - ﷺ -: نعم، فقال جبريل: فإن الله سبحانه يقول لك: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾؛ أي: لراجعك إلى مكان هو لعظمته أهل لأن يقصد العود إليه كل من خرج منه، وهو مكة المشرَّفة وطنك الدنيوي.
والمعنى عليه (٢): أي إن الذي أوجب عليك العمل بأحكام القرآن وفرائضه لرادك إلى محل عظيم القدر، اعتدته وألفته، وهو مكة، والمراد بذلك عوده إليها يوم الفتح، وقد كان للعود إليها شأن عظيم، لاستيلاء رسول الله - ﷺ - عليها عنوة،

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon