نزلت هذه الآية في قوم من المؤمنين، كعمار بن ياسر وعياش ابن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإِسلام، فكانت صدورهم تضيق بذلك، ويجزعون، فتداركهم الله بالتسلية بهذه الآية.
قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب في هذه الجماعة، فهي في معناها، باقية في أمة محمد - ﷺ -، موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله باقية في ثغور المسلمين، بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك. اهـ.
واعلم (١): أن المقصود الأقصى من الخلق العبادة، والمقصد الأعلى في العبادة، حصول محبة الله، وكل من كان قلبه أشد امتلاء من محبة الله، فهو أعظم درجة عند الله، لكن للقلب ترجمان، وهو اللسان، وله مصدقات هي الأعضاء، ولها مزكيات، فإذا قال الإنسان باللسان: آمنت، فقد ادعى محبة الله في الجنان، فلا بد له من شهود، فإذا استعمل الأركان في الإتيان بما عليه من أركان الإِسلام، حصل له على دعواه شهود مصدقات، فإذا بذل نفسه، وما له في سبيل الله تعالى، وزكَّى أعماله بترك ما سوى الله تعالى، زكَّى شهوده الذين صدقوه فيما قاله، فحينئذٍ يحرر اسمه في جرائد المحبين، ويقرر قسمه في أقسام المقربين.
قال الزجاج (٢): لفظ الآية استخبار، ومعناه: معنى التقرير والتوبيخ، والمعنى: أحسب الناس أن يتركوا بأن يقولوا آمنا، ولأن يقولوا آمنا؛ أي: أحسبوا أن يقنع منهم، بأن يقولوا إنا مؤمنون فقط، ولا يمتحنون بما يبين حقيقة إيمانهم ﴿وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾؛ أي: لا يختبرون بما يعلم به صدق إيمانهم من كذبه.
ونحو الآية قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾.
والخلاصة (٣): أيظن الناس أنهم يتركون بمجرد قولهم آمنا، دون أن يبتلوا

(١) المراح.
(٢) زاد المسير.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon