بالفرائض البدنية والمالية، كالهجرة من الأوطان والجهاد في سبيل الله، ودفع الزكاة للفقراء والمحتاجين، وإغاثة البائسين والملهوفين.
٣ - ثم ذكر ما هو كالتسلية لهم، بما نال من قبلهم بالمشاق، فقال: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ متصل بأحسب، أو بلا يفتنون؛ أي: وعزتي وجلالي لقد اختبرنا الأمم الذين من قبل هذه الأمة من الأنبياء، وأتباعهم؛ أي: ولقد اختبرنا الأمم السالفة من الأنبياء وأتباعهم، وأصبناهم بضروب من البأساء والضراء، فصبروا وعضوا على دينهم بالنواجذ، فابتلينا بني إسرائيل بفرعون وقومه، وأصابهم منه البلاء العظيم، والجهد الشديد. وابتلينا من آمن بعيسى بمن كذبه وتولى عنه، لا جرم ليصيبن أتباعك أذى شديد وجهد عظيم، ممن خالفهم وناصبهم العداء؛ أي (١): هذه سنة الله في عباده، وأنه يختبر مؤمن هذه الأمة، كما اختبر من قبلهم من الأمم، كما جاء به القرآن في غير موضع من قصص الأنبياء، وما وقع مع قومه من المحن، وما اختبر الله به أتباعهم.
روى البخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت، قال: شكونا إلى رسول الله - ﷺ -، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشي بأمشاط الحديد، لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"، وعن أبي سعيد الخدري، قال: دخلت على النبي - ﷺ -، وهو يوعك، فوضعت عليه يدي، فوجدت حره بين يدي فوف اللحاف، فقلت: يا رسول الله، ما أشدها عليك؟ قال: "إنا كذلك يضعّف لنا البلاء، ويضعف لنا الأجر"، قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: "الأنبياء". قلت: ثم من؟ قال: "ثم الصالحون، إن أحدهم كان ليبتلى بالفقر، حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها"