بالارتفاع، ولا يقدر أحد أن يطفىء نورهما. وكنور الحجر الشفاف المضيء بالليل، فإنه لا يقبل الانطفاء مثل الشمعة؛ لأن نوره أصلي، ونور الشمعة عارضي.
ثم إن في المحن والأذى تفاوتًا، فمن كانت محنته بموت قريب من الناس، أو فقد حبيب من الخلق أو نحوه.. فحقير قدره وكثير من الناس مثله، ومن كانت محنته لله وفي الله.. فعزيز قدره وقليل مثله، وقد كان كفار مكة يؤذون النبي - ﷺ - بأنواع الأذى فصبر.
١٢ - ولما ذكر حال المؤمنين والمنافقين ذكر مقالة الكافريق قولًا واعتقادًا، وهم رؤساء قريش فقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله، يعني: كفار مكة كالوليد بن المغيرة وأبي جهل وأصحابهما ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله كعلي وسلمان وغيرهما، واللام للتبليغ؛ أي: قال كفار مكة مخاطبين للمؤمنين استمالة ليرتدوا ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا﴾؛ أي: اسلكوا طريقتنا التي نسلكها في الدين من عبادة الأوثان، عبر عن ذلك بالاتباع الذي هو المشي خلف ماش آخر، تنزيلًا للمسلك منزلة السالك فيه.
﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ أي: ذنوبكم عنكم يوم القيامة، إن كان اتباع سبيلنا خطيئةً، تؤاخذون بها عند البعث والنشور، كما تقولون؛ أي: لا بعث ولا مؤاخذة، وإن وقع فرضًا نحمل آثامكم منكم.
واللام: في ﴿لْنَحْمِلْ﴾ لام الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، وقال الفراء والزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء؛ أي: إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم، وقرأ الحسن وعيسى بكسر لام الأمر، وهو لغة الحجاز.
ثم رد الله عليهم بقوله: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ قرأ (١) الجمهور: ﴿مِنْ خَطَايَاهُمْ﴾ وقرأ داوود ابن أبي هند، فيما ذكر أبو الفضل الرازي ﴿من خطيئتهم﴾ بالإفراد، قال: ومعناه الجنس، ودل على ذلك إضافته لضمير