بعضهم: الألف من ذلك؛ لأنه مبدأ النظام ﴿إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾، قال ابن عباس: كان عمر نوح عليه السلام ألفًا وخمسين سنة بُعث على رأس أربعين سنة، ولبث في قومه تسع مئة وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان ستين سنة.
والعام (١) كالسنة، لكن كثيرًا ما تُستعمل السنة في الحول الذي فيه الشدة والجدب، ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، والعام فيما فيه الرخاء.
فإن قلت: لِم غاير بين تمييز العددين، فقال في الأول: سنة، وفي الثاني عامًا؟
قلت: فرارًا من ثقل التكرار؛ لأن التكرار في الكلام الواحد مجتنب في البلاغة، إلا إذا كان لغرض من تفخيم أو تهويل أو تنويه، ذكره أبو حيان.
فإن قلت: لِمَ خص لفظ العام بالخمسين والألف بالسنة ولم يعكس؟
قلت: إيذانًا بأن نوحًا عاش بعد إغراق قومه ستين سنة في طيب زمان وصفاء عيش، وراحة بال، والعرب تعبر عن الخصب بالعام، وعن الجدب بالسنة. اهـ. "سمين". وقيل: سمى السنة عامًا لعوم الشمس في جميع بروجها. والعوم السباحة، ويدل على معنى العوم قوله تعالى: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.
فإن قلت: ما الفائدة في ذكر مدة لبثه؟
قلت: كان رسول الله - ﷺ - يضيق صدره بسبب عدم دخول الكفار في الإِسلام، فقال الله سبحانه له: إن نوحًا لبث هذا العدد الكثير، ولم يؤمن من قومه إلا القليل، فصبر وما ضجر، فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة عدد أمتك. اهـ "رازي".
فإن قلت (٢): ما فائدة العدول إلى ما قاله عن تسع مئة وخمسين مع أنه عادة الحُسَّاب؟
قلت: عدل إلى ما قاله؛ لأن: الاستثناء يدل على التحقيق، وتركه قد يُظنُّ
(٢) الخازن.