يتأثروا بما سمعوا من نوح من الآيات، ولم يرعووا عما هم عليه من الكفر والمعاصي هذه المدة، فأنجى الله نوحًا ومن معه ممن ركب السفينة من أتباعه، وكانت تلك السفينة عبرةً وموعظة أمدًا طويلًا مدة بقائها على جبل الجودي، ينظر إليها الناس، وترشدهم إلى نعمته على خلقه بالنجاة من الطوفان، كما قال: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (١٢)﴾. وقد تقدم تفصيل هذا في سورة هود.
العبرة من هذا القصص: لا يحزننك أيها الرسول ما تلقى من هؤلاء المشركين أنت وأصحابك من الأذى، فإني وإن أمليت لهم وأطلت إملاءهم، فإن مصيرهم إلى البوار، ومصيرك ومصير أصحابك إلى العلو والنصر كفعلنا بقوم نوح، إذ أغرقناهم بالطوفان، وأنجينا نوحًا وأتباعه من راكبي السفينة، وجعلناها عبرة للعالمين، وفي ذلك إيماء إلى أن نوحًا قد لبث هذا الأمد الطويل، يدعو قومه ولم يؤمن إلا القليل فصبر وظفر، فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك، وكثرة عدد أمتك.
قصة إبراهيم عليه السلام
١٦ - وقوله: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ﴾ منصوب عطفًا على نوحًا؛ أي: ولقد أرسلنا إبراهيم عليه السلام، من قبل إرسالنا إياك يا محمد، أو منصوب باذكر مقدرًا، وقوله: ﴿إِذْ قَالَ﴾ (١) بدل اشتمال من إبراهيم؛ لأن الأحيان تشتمل على ما فيها؛ أي: واذكر إبراهيم وقت قوله لقومه، أو ظرف لأرسلناك المقدر؛ أي: ولقد أرسلنا إبراهيم حين بلغ من السن، أو العلم مبلغًا صلح فيه لأن يعظ قومه، ويأمرهم بالعبادة والتقوى.
قرأ الجمهور (٢): ﴿وَإِبْرَاهِيمَ﴾ بالنصب، ووجهه ما قدمنا، وقرأ النخعي وأبو جعفر وأبو حنيفة: بالرفع على الابتداء، والخبر مقدر، تقديره؛ أي: ومن المرسلين إبراهيم.

(١) النسفي.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon