ثم استدل على شرارة ذاك، من حيث إنه لا يجدي بطائل، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى من الأوثان ﴿لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾؛ أي: لا يقدرون على أن يرزقوكم شيئًا من الرزق. ﴿فَابْتَغُوا﴾؛ أي: فاطلبوا يا قوم ﴿عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ كله فإنه القادر على إيصال الرزق إليكم؛ أي: اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله سبحانه، فهو الذي عنده الرزق كله، فاسألوه من فضله ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾ دون غيره لكونه مستحقًا للعبادة لذاته، ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ على نعمائه متوسلين إلى مطالبكم بعبادته، مقيدين للنعمة بالشكر، ومستجلبين بالمزيد، فإن الشكر موجب لبقائها، وسبب للمزيد عليها، قال (١) ابن عطاء: اطلبوا الرزق بالطاعة والإقبال على العبادة، وقال سهل: اطلبوا الرزق في التوكل، لا في الكسب، وهذا سبيل العوام. ﴿إِلَيْهِ﴾ لا إلى غيره ﴿تُرْجَعُونَ﴾؛ أي: تردون بالموت ثم بالبعث، فافعلوا ما أمرتكم به فهو خير لكم.
فائدة (٢): ذكر الرزق أولًا، ثم عرَّفه ثانيًا، في قوله: ﴿لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾؛ لأنه أراد بذلك أن الذين تعبدون من دون الله لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئًا من الرزق، فابتغوا عند الله الرزق كله، فإنه هو الرازق لا غيره،
١٨ - وقوله: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ من قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمعنى عليه أي (٣): وإن تكذبوني فيما أخبرتكم به، من أنكم إليه تعالى ترجعون بالبعث، فلا تضروني بتكذيبكم، فإن من قبلكم من الأمم قد كذبوا من قبلي من الرسل، وهم شيث وإدريس ونوح عليهم السلام، فلم يضروهم بتكذيبهم شيئًا، أو من قول الله سبحانه في شأن رسول الله - ﷺ -، وشأن قريش، معترض بين أول قصة إبراهيم وآخرها، والمعنى عليه أي: وإن تكذبوا محمدًا - ﷺ -، فذلك عادة الكفار مع من سلف من الرسل ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ﴾ الذي أُرسل إلى أمة من الأمم ﴿إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾؛ أي: إلا التبيلغ الواضح الذي لا يبقى معه شك ولا إشكال، ولا شبهة
(٢) فتح الرحمن.
(٣) المراح.