بالحاجة إلى طريق متعين، فييأس من رحمة الله، ولما أنكر الحشر وقال: لا عذاب عذبه الله سبحانه تحقيقًا للأمر عليه، فعدم الرحمة يناسب الإشراك، والعذاب الأليم يناسب إنكار الحشر.
وقال في "الخازن" قوله: ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ آخر الآيات في تذكير أهل مكة، ثم عاد إلى قصة إبراهيم عليه السلام فقال: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ إلخ. قال أبو حيان (١): والظاهر أن قوله: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ من كلام الله حكاية عن إبراهيم إلى قوله: ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقيل: هذه الآيات اعتراض من كلام الله تعالى، بين كلام إبراهيم والإخبار عن جواب قومه؛ أي: وإن تكذبوا محمدًا، فتقدير هذه الجمل اعتراضًا يردُّ على أبي علي الفارسي، حيث زعم أن الاعتراض لا يكون جملتين فأكثر.
وفائدة هذا الاعتراض: أنه تسلية للرسول - ﷺ -، حيث كان قد ابتلي بمثل ما كان أبوه إبراهيم قد ابتلي به، من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، وتكذيبهم إياه، ومحاولتهم قتله، وجاءت الآيات بعد الجملة الشرطية، مقررة لما جاء به الرسول من توحيد الله ودلائله، وذكر آثار قدرته والمعاد، انتهى.
ومعنى الآية: أي والذين كفروا بالدلائل التي نصبها سبحانه في الكون، دالةً على توحيده، والدلائل التي أنزلها على رسله مرشدة إلى ذلك، وجحدوا لقاءه والورود إليه يوم تقوم الساعة، أولئك لا أمل لهم في رحمته؛ لأنهم لم يخافوا عقابه، ولم يرجوا ثوابه، ولهم عذاب مؤلم موجع في الدنيا والآخرة، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾.
الإعراب
﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)﴾.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon