التوبيخي، وقرأ الباقون بلا استفهام. وجملة قوله: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا﴾؛ أي: بتلك الفاحشة ﴿مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ قال الزمخشري: جملة (١) مستأنفة، مقررة لكمال قبح تلك الخصلة، وأنهم منفردون بها، يسبقهم إلى عملها أحد من الناس، على اختلاف أجناسهم، كأن سائلًا قال: لم كانت فاحشة؟ فقيل: لأن أحدًا قبلهم لم يقدم عليها اشمئزازًا منها في طباعهم، لإفراط قبحها، حتى أقدم عليها قوم لوط لخبث طينتهم، قالوا: لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط قط؛ أي: مع طول الزمان وكثرة القرون، انتهى. ويظهر (٢) أن ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا﴾ جملة حالية كأنه قال: أتأتون الفاحشة مبتدعين لها، غير مسبوقين بها.
والمعنى: أي (٣) واذكر يا محمد لقومك قصص لوط حين أرسلناه إلى أهل سذوم، الذين سكن فيهم وصاهرهم، وانقطع إليهم فصاروا قومه فأنكر عليهم سوء صنيعهم، وقبيح أفعالهم التي اختصوا بها، ولم يسبقهم إليهم أحد من قبلهم لفظاعتها، ونفرة الطباع السليمة منها.
٢٩ - ثم فصل وبيَّن هذه الفاحشة، وكرر الإنكار عليها فقال:
١ - ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ إتيان الشهوة وتلوطونهم، وتستمتعون بهم الاستمتاع بالنساء، والاستفهام هذا وفيما سبق على قراءة، للإنكار والتوبيخ والتقريع.
٢ - ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾؛ أي: تقطعون المارة والمسافرين عن مرورهم في الطريق، قيل إنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين، فلما فعلوا ذلك ترك الناس المرور بهم، فقطعوا السبيل بهذا السبب، قال الفراء: كانوا يعترضون الناس في الطرق بعملهم الخبيث، وقيل: كانوا يقطعون الطريق على المارة بقتلهم ونهبهم، والظاهر أنهم كانوا يفعلون ما يكون سببًا لقطع الطريق أو غير تقييد بسبب خاص، قيل: كانوا يفعلون ذلك لكيلا يدخل الناس في بلدهم،

(١) الكشاف.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon