أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ} فما بين ما هنا وما في السورتين السابقتين معارضة. وقد جُمع (١) بين هذه الثلاثة المواضع، بأن لوطًا كان ثابتًا على الإرشاد، ومكررًا للنهي لهم، والوعيد عليهم، فقالوا له أولًا: ائتنا بعذاب الله، كما في هذه الآية، فلما كثر منه ذلك، ولم يسكت عنهم قالوا: أخرجوهم، كما في الأعراف والنمل، وقيل: إنهم قالوا أولًا: أخرجوهم، من قريتكم، ثم قالوا ثانيًا: ائتنا بعذاب الله،
٣٠ - ثم إن لوطًا لما أيس من إيمانهم وقبولهم نصحه طلب من الله سبحانه نصره عليهم فـ ﴿قَالَ﴾؛ أي لوط بطريق المناجاة والدعاء يا ﴿رَبِّ﴾ ويا ناصري ﴿انْصُرْنِي﴾ اَننم بإنزال العذاب الموعود ﴿عَلَى﴾ هؤلاء ﴿الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ الذين ابتدعوا الفواحش ورسخوا فيها، وجعلوها سنةً لمن بعدهم، وأصروا عليها، وجعلوا وعيدك لهم تهكمًا وسخرية.
وإنما (٢) وصفهم بالإفساد، ولم يقل عليهم، أو على قومي، مبالغةً في استنزال العذاب عليهم، وإشعارًا بانهم أحقاء بأن يعجل لهم العذاب. قال الطيبي: الكافر إذا وُصف بالفسق أو الإفساد كان محمولًا على غلوه في الكفر.
٣١ - فاستجاب الله سبحانه دعاءه، وبعث لعذابهم ملائكته، وأمرهم بتبشير إبراهيم قبل عذابهم، ولهذا قال: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا﴾ من الملائكة، وهم جبريل ومن معه ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ الخليل ﴿بِالْبُشْرَى﴾ أي: بالبشارة بالولد، وهو إسحاق، وبالنافلة، وهو يعقوب، وبإهلاك قيم لوط فبشروه بأمرين، بالذرية الطيبة، وبإهلاك قوم لوط، فجاؤوه مبشريق ومنذرين، لكن لما كانت البشارة أثر الرحمة، والإنذار بالإهلاك أثر الغضب، ورحمته سبقت غضبه قدم البشارة على الإنذار، ولما كان في الإهلاك إخلاء الأرض من العباد، قدم على ذلك بشارة إبراهيم بأنه يملأ الأرض أو العباد الصالحين اهـ "أبو السعود" بتصرف.
﴿قَالُوا﴾؛ أي: قالت الرسل لإبراهيم في تضاعيف الكلام ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ التي هي قرية سذوم، التي كان فيها لوط، والإضافة فيه لفظية؛ لأن

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon