ثم زادوا ما سلف إيضاحًا، وطمأنوه بذكر ما يسره من نجاته بقولهم: لننجينه وأهله... إلخ؛ أي: لننجين لوطًا وأتباعه من الهلاك، الذي هو نازل بأهل القرية إلا امرأته، فإنها من الباقين في العذاب لممالأتها إياهم على الكفر والبغي، وفعل الخبائث.
٣٣ - ثم ذكر ما كان من أمر لوط، حين مجيء الرسل ضيوفًا لديه، فقال: ﴿وَلَمَّا﴾: حرف شرط لا ظرف، خلافًا للفارسي، كما هو مذكور في علم النحو.
﴿أَنْ﴾ زائدة زيدت بعد لما، وهو قياس مطرد، وقال الزمخشري (١): (أن) صلة أكدت وجود الفعلين، مترتبًا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصل بينهما، كأنهما وجدا في جزء واحدٍ من الزمان، كأنه قيل: لما أحس بمجيئهم، فاجأت المساءة من غير وقت خيفةً عليهم من قومه، انتهى.
أي: ولما ﴿جَاءَتْ رُسُلُنَا﴾ المذكورون بعد مفارقة إبراهيم ﴿لُوطًا سِيءَ﴾؛ أي: حزن ﴿بِهِمْ﴾؛ أي: بسببهم؛ أي (٢): اعتراه المساءة والحزن بسببهم مخافة أن يتعرض لهم قومه بسوء؛ أي: بفاحشة؛ لأنهم كانوا يتعرضون للغرباء، ولم يعرف لوط أنهم ملائكة، وإنما رأى شبانًا مردًا، حسانًا، بثياب حسان، وريح طيبة، فظن أنهم من الإنس ﴿وَضَاقَ بِهِمْ﴾؛ أي: بشأنهم ﴿ذَرْعًا﴾؛ أي: قلبًا؛ أي: ضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه؛ أي: طاقته؛ أي: عجز عن تدبير شأنهم، فلم يدر أيأمرهم بالخروج أم بالنزول، كقولهم: ضاقت يده، وبإزائه رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقًا به، قادرًا عليه، وذلك أن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿سِيءَ﴾ بكسر السين، وضمها نافع وابن عامر والكسائي، وقرأ عيسى وطلحة: ﴿سوء﴾ بضمها، وهي لغة بني هذيل وبني وبير يقولون في قيل وبيع ونحوهما قول وبوع.

(١) الكشاف.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon