يسكنون الأحقاف، وهي قريبة من بلاد اليمن، وثمود قوم صالح، وكانوا يسكنون الحجر قريبًا من وادي القرى مع ما كانوا عليه من العتو والتكبر، وكانت العرب تعرف مساكنهم معرفة تامة، وتمر عليهم كثيرًا، وترى ما حل بهم، وما سبب ما جرى عليهم، إلا أن زين لهم الشيطان أعمالهم من عبادة غير الله تعالى، وصدهم عن الطريق السوي الذي يوصلهم إلى النجاة، وقد كانوا متمكنين من النظر والاستبصار، فلم يكن لهم عذر في الغفلة، وعدم التدبر في العواقب.
قصص موسى عليه السلام
٣٩ - قوله: ﴿وَقَارُونَ﴾ معطوف على عادًا؛ أي: وأهلكنا قارون ابن عم موسى، وقدمه على فرعون لشرف نسبه بقرابته من موسى، ففيه (١) تنبيه لكفار قريش على أن شرف نسمبهم لا يخلِّصهم من العذاب، كما لم يخلص قارون.
﴿و﴾ أهلكنا ﴿فِرْعَوْنَ﴾ اللعين ﴿وَهَامَانَ﴾ وزير فرعون؛ أي: أهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل فاستكبروا عن الحق، كما ذكره بقوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد جاء هؤلاء الثلاثة المذكورين، وأتباعهم، موسى عليه السلام بالبينات، والدلالات الواضحة، والمعجزات الباهرة. ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ عن عبادة الله ﴿فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: في أرض مصر، وتعظموا عن قبول الحق الذي جاء به موسى.
وفي قوله (٢): ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾؛ أي: عن الإقرار بالصانع وعبادته في الأرض، إشارة إلى قلة عقولهم؛ لأن من في الأرض يشعر بالضعف، ومن في السماء يُشعر بالقوة، ومن في السماء لا يستكبرون عن عبادة الله سبحانه، فكيف من في الأرض.
﴿وَمَا كَانُوا﴾؛ أي: وما كان هؤلاء وأتباعهم ﴿سَابِقِينَ﴾ عذابنا فائتين مفلتين منه، بل أدركهم أمر الله فهلكوا، من قولهم: سبق طالبه، إذا فاته ولم

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon