وقيل (١): معنى هذا المثل: إن المشرك الذي يعبد الأصنام بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله، مثل العنكبوت تتخذ بيتًا من نسجها بالإضافة إلى رجل بني بيتًا بآجر وجص، أو تحته من صخر له حائط، يحول عن تطرق الشرور إلى من فيه، وسقف مظل يدفع عنه البرد والحر، فكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتًا بيتًا بيت العنكبوت، فكذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينًا دينًا عبادة الأوثان؛ لأنها لا تضر ولا تنفع.
قال الفراء (٢): ولا يحسن الوقف على العنكبوت؛ لأنه لما قصد بالتشبيه بيتها الذي لا يقيها من شيء، شُبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضر به، وقد جوز الوقف على العنكبوت الأخفش، وغلَّطه ابن الأنباري، قال؛ لأن ﴿اتخذت﴾ صلة للعنكبوت، كأنه قال: كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتًا، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول، والعنكبوت هي الدويبة الصغيرة التي تنسج نسجًا رقيقًا، كما سيأتي في التصريف.
وحاصل المعنى (٣): أي مثل الذين اتخذوا الأصنام والأوثان من دون الله أولياء، يرجون نصرهم ونفعهم لدى الشدائد في قبيح احتيالهم وسوء اختيارهم لأنفسهم، كمثل العنكبوت في ضعفها وقلة حيلتها، اتخذت لنفسها بيتًا يكنها من حر وبرد، ويدفع أذى، فلم يُغن عنها شيئًا حين حاجتها إليه، فكذلك هؤلاء المشركون، لم يُغن عنهم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئًا، ولم يدفعوا عنهم ما أحله الله بهم، من سوء العذاب بكفرهم به وعبادتهم سواه.
وخلاصة ذلك: أن بيت العنكبوت لا يكن ولا يمنع أذى الحر والبرد، كما هو شأنها فيما ترون، فكذلك المعبود، ينبغي أن يكون منه الخلق والرزق، وجر المنافع ودفع المضار، وما عبده الكافرون لم يفدهم شيئًا من ذلك، فكيف يُصرون على عبادتهم؟

(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon