﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ﴾ يا بني آدم ﴿بَشَرٌ﴾؛ أي: آدميون من لحم ودم، عقلاء ناطقون ﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ في الأرض، وتتصرفون فيما هو قوام معايشكم، و ﴿إِذَا﴾ فجائية، والانتشار: التصرف في الحاجات.
والمعنى: أي (١) ثم فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشرًا تنتشرون في الأرض، وتتفرقون فيها لطلب معايشكم، فدل بدء خلقكم على إعادتكم، و ﴿إِذَا﴾ الفجائية (٢) وإن كانت أكثر ما تقع بعد الفاء، لكنها وقعت هنا بعد ﴿ثُمَّ﴾ بالنظر إلى ما يليق بهذه الحالة الخاصة، وهي أطوار الإنسان، كما حكاه الله سبحانه في مواضع، من كونه نطفةً، ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم عظمًا مكسوًا لحمًا، فاجأ البشرية والانتشار.
وهذا مجمل (٣) ما فصل في قوله تعالى في أوائل سورة الحج: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾؛ أي: إن كنتم في شك ن البعث بعد الموت.. فانظروا إلى ابتداء خلقكم، وقد خلقناكم بالأطوار، لتظهر لكم قدرتنا على البعث، فتؤمنوا به، وأنشد بعضهم:
خُلِقْتُ مِنَ التُّرَابِ فَصِرْتُ شَخْصًا | بَصِيْرًا بِالسّؤالِ وَبالْجَوَابِ |
وَعُدْت إِلَى التُرَابِ فَصِرْتُ فِيْهِ | كَأَنِّيْ مَا بَرِحْتُ مِنَ التُّرَابِ |
وقيل: المراد: حواء، فإنه خلقها من ضلع آدم، فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم، متضمن لخلقهن من أنفسكم ﴿أَزْوَاجًا﴾؛ أي: إناثًا، والمعنى
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.