والمعنى: أن المؤمنين يقرؤون القرآن بالحفظ عن قلب تلقيًا منك، وبعضهم من بعض، وأنت تلقيته من جبريل عن اللوح المحفوظ، فلم تأخذه من كتاب بطريق تلقيه منه.
يعني (١): كونه محفوظًا في الصدور من خصائص القرآن؛ لأن من تقدم كانوا لا يقرؤون إلا نظرًا، فإذا أطبقوها.. لم يعرفوا منها شيئًا، سوى الأنبياء، وما نقل عن قارون: من أنه كان يقرأ التوراة على ظهر قلب فغير ثابت.
وقال قتادة ومقاتل (٢): إن الضمير يرجع إلى النبي - ﷺ -؛ أي: بل محمد آيات بينات؛ أي: ذو آيات.
وقرأ ابن مسعود: ﴿بل هي آيات بينات﴾. قال الفراء: معنى هذه القراءة: بل آيات القرآن آيات بينات، واختار ابن جرير ما قاله قتادة ومقاتل، وقد استدل لما قالاه بقراءة ابن السميفع ﴿بل هذا آيات بينات﴾ ولا دليل في هذه القراءة على ذلك؛ لأن الإشارة يجوز أن تكون إلى القرآن، كما جاز أن تكون إلى النبي - ﷺ - بل رجوعها إلى القرآن أظهر، لعدم احتياج ذلك إلى التأويل، والتقدير وقوله: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ (٣) إضراب عن ارتيابهم؛ أي: ليس القرآن مما يرتاب فيه، لكونه في الصدور، وكونه محفوظًا بخلاف غيره من الكتب، فإنه لا يقرأ إلا في المصاحف، ولذا جاء في وصف هذه الأمة: صدورهم أناجيلهم. اهـ. "شهاب". وهو جمع إنجيل، والمعنى: أنهم يقرؤون كتاب الله عز وجل عن ظهر قلب، وهو مثبت محفوظ في صدورهم، كما كان كتاب النصارى مثبتًا في أناجيلهم؛ أي: كتبهم اهـ. "زاده".
وفي بعض الآثار: "ما حسدتكم اليهود والنصارى على شيء كحفظ القرآن" قال أبو أمامة: إن الله لا يعذب بالنار قلبًا وعى القرآن. وقال - عليه السلام -: "القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن، كالبيت الخراب". وفي الحديث

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon