قبلها: أن الله سبحانه لما بين أن لقمان أوتي الحكمة، فشكر ربه على نعمه الظاهرة عليه، وهو يرى آثارها في الآفاق والأنفس آناء الليل وأطراف النهار.. أردف ذلك ببيان: أنه وعظ ابنه بذلك أيضًا، ثم استطرد في أثناء هذه المواعظ إلى ذكر وصايا عامةً، وصى بها سبحانه الأولاد في معاملة الوالدين رعايةً لحقوقهم، وردًا لما أسدوه من جميل النعم إليهم، وهم لا يستطيعون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، على أن لا يتعدى ذلك إلى حقوقه تعالى، ثم رجع إلى ذكر بقية المواعظ التي يتعلق بعضها بحقوقه، وبعضها يرجع إلى معاملة الناس بعضهم مع بعض.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (١) أقام الأدلة على التوحيد، وذكر أن لقمان فهمه بالحكمة دون أن يرسل إليه نبي.. عاد إلى خطاب المشركين، وتوبيخهم على إصرارهم على ما هم عليه من الشرك، مع مشاهدتهم لدلائل التوحيد لائحةً للعيان، يشاهدونها في كل آن في السماوات والأرض، وتسخيرهم لما فيها مما فيه مصالحهم في المعاش والمعاد، وإنعامه عليهم بالنعم المحسوسة والمعقولة، المعروفة لهم وغير المعروفة، ثم أبان أن كثيرًا من الناس يجادلون في توحيد الله وصفاته بدون دليل عقلي على ما يدعون، ولا رسول أرسل إليهم بما عنه يناضلون، ولا كتاب أنزل إليهم يؤيد ما يعتقدون، وإذا هم أفحموا بالحجة والسلطان المبين.. لم يجدوا جوابًا إلا تقليد الآباء والأجداد، بنحو قولهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ وما ذاك إلا من نزغات الشيطان، والشيطان لا يدعو إلا إلى الضلال الموصل إلى النار وبئس القرار.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ...﴾ الآيتين، سبب نزولهما: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: نزلتا في النضر بن الحارث، اشترى قينة - مغنية - وكان لا يسمع بأحد يريد الإِسلام إلا انطلق بها