والمعنى (١): أي هذه آيات الكتاب الهادي من الزيغ، الشافي من الضلال، لمن أحسنوا العمل واتبعوا الشريعة، فأقاموا الصلاة على الوجه الأكمل، الذي رسمه الدين في أوقاتها، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى مستحقيها، وأيقنوا بالجزاء في الدار الآخرة، ورغبوا إلى الله في ثواب ذلك، لم يراؤوا به ولا اْرادوا به جزاءً ولا شكورًا،
٥ - ولما كان المتصفون بهذه الخصال هم الغاية في الهداية والفلاح.. قال: ﴿أُولَئِكَ﴾ المحسنون المتصفون بتلك الصفات الجليلة كائنون ﴿عَلَى هُدًى﴾ وبيان كائن ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ بين لهم طريقهم ووفقهم، وفي الآية (٢) دليل على أن العبد لا يهتدي بنفسه إلا بهداية الله تعالى، ألا ترى أنه قال: ﴿عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ وهو رد على المعتزلة، فإنهم يقولون: العبد يهتدي بنفسه، قال بعضهم: ثلاث من علامات الهدى: الاسترجاع عند المصيبة، والاستكانة عند النعمة، وترك الامتنان عند العطية.
﴿وَأُولَئِكَ﴾: المذكورون ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾؛ أي: الفائزون بكل مطلوب، والناجون من كل مهروب، لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح، وكرر اسم الإشارة تنبيهًا على عظم قدرهم، قال في "المفردات": الفلاح: الظفر وإدراك البغية، وذلك ضربان: دنيوي وأخروي، فالدنيوي: الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا، والأخروي: أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنًى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، ولذلك قيل: لا عيش إلا عيش الآخرة، ألا ترى إلى قوله عليه السلام: "المؤمن لا يخلو عن قلة أو علة أو ذلة" يعني: ما دام في الدنيا، فإنها دار البلايا والمصائب والأوجاع.
٦ - ولما ذكر (٣) من صفات القرآن الحكمة وأنه هدى ورحمة، وأن متبعه فائز.. ذكر حال من بدل الحكمة باللهو، وذكر مبالغته في ارتكابه، حتى جعله مشتريًا له وباذلًا فيه رأس عقله، وذكر علته وأنها الإضلال عن طريق الله سبحانه

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon