العام إلى الخاص للبيان، كأنه قيل: من يشتري اللهو الذي هو الحديث، وبمعنى من التبعيضية إن أريد به الأعم من ذلك، كأنه قيل: من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه، وأكثر أهل التفسير على أن الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، قتله رسول الله - ﷺ - صبرًا، حين فرغ من وقعة بدر.
أي: كان يشتري بماله كتبًا فيها لهو الحديث، وباطل الكلام من فارس، ويحدث بها قريشًا في أنديتهم، ولعلها كانت مترجمة بالعربية. ﴿لِيُضِلَّ﴾ الناس ويصرفهم ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ سبحانه؛ أي: عن دينه الحق الموصل إليه، أو ليضلهم ويمنعهم بتلك الكتب المزخرفة عن قراءة كتاب الله الهادي إليه، وإذا أضل غيره فقد ضل هو أيضًا، واللام فيه للتعليل.
وقرأ الجمهور (١): ﴿لِيُضِلَّ﴾ بضم الياء؛ أي: ليضل غيره عن طريق الهدى ومنهج الحق، وإذا أضل غيره فقد ضل في نفسه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وحميد وورش وابن أبي إسحاق: بفتح الياء، أي: ليضل هو في نفسه، قال الزجاج: من قرأ بضم الياء.. فمعناه ليضل غيره، فإذا أضل غيره.. فقد ضل هو، ومن قرأ بفتح الياء.. فمعناه ليصير أمره إلى الضلال، وهو وإن لم يكن يشتري للضلالة فإنه يصير أمره إلى ذلك، فأفاد هذا التعليل أنه إنما يستحق الذم من اشترى لهو الحديث لهذا المقصد، ويؤيده سبب نزول الآية.
حال كونه ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾؛ أي: حال كونه جاهلًا بحال ما يشتريه ويختار، هل ينفعه أو يضره، أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن؛ أي: أو جاهلًا بحال تجارته هل تخسره أو تربح له، فلهذا استبدل الخير بما هو شر محض ﴿وَيَتَّخِذَهَا﴾ بالنصب عطفًا على ﴿لِيُضِلَّ﴾، والضمير المنصوب لـ ﴿سَبِيلِ﴾، فإنه مما يذكر ويؤنث؛ أي: وليتخذها ﴿هُزُوًا﴾؛ أي: مهزوءًا بها ومستهزأةً، وبالرفع عطفًا على يشتري فهو من جملة الصلة، وقيل: الرفع على الاستئناف، والضمير المنصوب في يتخذها إلى الآيات المتقدم ذكرها، والأول أعني العطف على

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon