فقد ضرب بين يدي النبي - ﷺ - يوم دخل المدينة، فهم أبو أبكر بالزجر فقال رسول الله - ﷺ -: "دعهن يا أبا بكر، حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح" فكن يضربن ويقلن:
نَحْنُ بَنَاتُ النَّجَّارِ | حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ |
ثم بين عاقبة أمرهم، فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بما ذكر من الاشتراء والإضلال ﴿لَهُمْ عَذَابٌ﴾ شديد ﴿مُهِينٌ﴾؛ أي: ذو إهانة وإذلال لهم، لإهانتهم الحق بإيثار الباطل عليه، وترغيب الناس فيه؛ أي: إنه كتب لهم العذاب والخزي يوم القيامة؛ لأنهم لما أهانوا الحق باختيارهم الباطل.. جوزوا بإهانتهم يوم الجزاء بعذاب يفضحهم ويخزيهم أمام الخلائق.
٧ - ثم أشار سبحانه إلى أن هذا داء قد استشرى في نفسه، فكلما تليت عليه آية.. ازداد إباءً ونفورًا، فقال: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ﴾؛ أي: على هذا المشتري المستهزىء (١)، أفرد الضمير فيه وفيما بعده، كالضمائر الثلاثة الأولى باعتبار لفظ من وجمع في ﴿أُولَئِكَ﴾ باعتبار معناه كما مر، قال في "كشف الأسرار": وهذا دليل على أن الآية السابقة نزلت في النضر بن الحارث.
﴿آيَاتُنَا﴾؛ أي: آيات كتابنا القرآنية ﴿وَلَّى﴾؛ أي: أعرض هذا المستهزىء عنها غير معتد بها حال كونه ﴿مُسْتَكْبِرًا﴾؛ أي: مبالغًا في التكبر ودفع النفس عن الطاعة والإصغاء، وجملة قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا﴾ حال من ضمير ﴿وَلَّى﴾ أو من ضمير ﴿مُسْتَكْبِرًا﴾، والأصل: كأنه، فحذف ضمير الشأن، وخففت المثقلة؛ أي: كأن ذلك المعرض المتكبر لم يسمعها مع أنه قد سمعها، ولكن أشبهت حاله حال من لم يسمع؛ أي: حال كونه مشابهًا حاله حال من ﴿لَمْ يَسْمَعْهَا﴾ وهو
(١) روح البيان.