ولذلك قرن بينهما، وجعل الجنة مستحقة بهما، قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾؛ أي: إن الذين آمنوا بالله وبآياته، ولم يعرضوا عنها بل قبلوها وعملوا بها ﴿لهم﴾ بمقابلة إيمانهم وأعمالهم ﴿جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾؛ أي: نعيم الجنات، فعكسه للمبالغة. وقيل: جنات النعيم: اسم لإحدى الجنات الثمانية، وهي دار الجلال، ودار السلام، ودار القرار، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم. كما روى وهب بن منبه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فجعل لهم جنات النعيم، كما جعل للفريق الأول العذاب المهين.
٩ - وقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ حال من الضمير في ﴿لَهُمْ﴾. وقرأ زيد بن علي: خالدون (١) فيها على أنه خبر ثان لـ ﴿إن﴾. وقرأ الجمهور بالياء. ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾؛ أي: وعدهم الله سبحانه جنات النعيم وعدًا، فهو مصدر مؤكد لنفسه؛ لأن معنى ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ وعدهم بها ﴿حَقًّا﴾؛ أي: حق ذلك الوعد حقًا، فهو تأكيد لقوله: ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ أيضًا، لكنه مصدر مؤكد لغيره؛ لأن قوله: ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ وعد، وليس كل وعد حقًا.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْعَزِيزُ﴾ الذي لايغلب به غالب فيمنعه من إنجاز وعده أو تحقيق وعيده ﴿الْحَكِيمُ﴾ في كل أفعاله وأقواله، الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
ومعنى الآية (٢): أي إن الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، وعملوا الأعمال الصالحة، فأتوا بما أمرهم به ربهم في كتابه، على لسان رسله، وانتهوا عما نهاهم عنه، لهم جنات ينعمون فيها بأنواع اللذات والمسار، من المآكل والمشارب والملابس والمراكب، ومما لم يخطر لأحدهم ببال، وهم فيها مقيمون دائمًا، لا يظعنون ولا يبغون عنها حولًا ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾؛ أي: ما أخبرنا به كائن لا محالة؛ لأنه وعد الله الذي لا يخلف وعده، وهو الكريم المنان على عباده ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾؛ أي: وهو الشديد في انتقامه من أهل الشرك به،
(٢) المراغي.