بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله وأنشأه، فأروني ماذا خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة فقال: ﴿هَذَا﴾ الذي ذكر من السماوات والأرض والجبال والحيوان والنبات ﴿خَلْقُ اللَّهِ﴾؛ أي: مخلوقة، كضرب الأمير؛ أي: مضروبه، فأقيم المصدر مقام المفعول توسعًا؛ أي: هذا الذي تشاهدونه من السماوات والأرض وما فيهما من الخلق، مخلوق الله وحده، دون أن يكون له شريك في ذلك.
﴿فَأَرُونِي﴾؛ أي (١): فأخبروني أيها المشركون الذين يعبدون هذه الأصنام والأوثان ﴿مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى؛ أي: أي شيء خلق الذين من دونه تعالى مما اتخذتموه شركاء له سبحانه في العبادة، حتى استحقوا به العبودية، كما استحق ذلك عليكم خالقكم وخالق هذه الأشياء التي عددتها لكم، و ﴿مَاذَا﴾ بمنزلة اسم واحد بمعنى: أي شيء، نصب بـ ﴿خَلَقَ﴾، أو ما مرفوع بالابتداء وخبره ذا وصلته، و ﴿أَرُونِي﴾: معلق عنه على كلا التقديرين، والاستفهام: للتقريع والتوبيخ، والمعنى: فأروني أي شيء خلقوا مما يحاكي خلق الله أو يقاربه، وهذا الأمر لهم لقصد التعجيز والتبكيت.
ثم انتقل من توبيخهم بما ذكر إلى تسجيل الضلال عليهم، المستدعي للإعراض عنهم، وعدم مخاطبتهم بالمعقول من القول، لاستحالة أن يفهموا منه شيئًا فيهتدوا إلى بطلان ما هم عليه فقال: ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ﴾؛ أي: بل المشركون بالله، العابدون معه غيره من أهل مكة وغيرهم ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: في خطأ واضح ظاهر لا اشتباه فيه لمن تأمله ونظر فيه، فأنى لهم أن يرعووا عن غي أو يهتدوا إلى رشد وحق.
فقرر ظلمهم أولًا، وضلالهم ثانيًا، ووصف ضلالهم بالوضوح والظهور، ومن كان هكذا فلا يعقل الحجة، ولا يهتدي إلى الحق.