في صحة شكره تعالى. ثم حق المعلم (١) في الشكر فوق حق الوالدين، سئل الاسكندر، قيل له: ما بالك تعظم مؤدبك أشد من تعظيمك لأبيك؟ فقال: أبي حطني من السماء إلى الأرض، ومؤدبي رفعني من الأرض إلى السماء: وقيل لبعضهم: ما بالك تعظيمك لمعلمك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال: لأن أبي سبب حياتي الفانية، ومعلمي سبب حياتي الباقية.
ثم علل الأمر بشكره محذرًا إياه بقوله: ﴿إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: إلى الرجوع لا إلى غيري، فأجازيك على شكرك وكفرك، ومعنى الرجوع إلى الله: الرجوع إليه، حيث لا حاكم ولا مالك سواه.
والمعنى: إليّ رجوعك بالبعث بعد الموت، لا إلى غيري، فأجازيك على ما صدر منك مما يخالف أمري، وسائلك عما كان من شكرك لي، على نعمي عليك، وعلى ما كان من شكرك لوالديك وبرك بهما.
قال سفيان بن عيينة - رحمه الله تعالى -: من صلى الصلوات الخمس.. فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات الخمس.. فقد شكر والديه. وفي الحديث: "من أحب أن يصل أباه في قبره.. فليصل إخوان أبيه من بعده، ومن مات والداه وهو غير بار لهما، وهي حي.. فليستغفر لهما ويتصدق لهما حتى يكتب بارًا لوالديه، ومن زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة.. كان بارًا".
فإن قلت (٢): كيف وقعت الآيتان في أثناء وصية لقمان لابنه؟.
قلت: هما من الجمل الاعتراضية التي لا محل لها من الإعراب، اعترض بها بين كلامين متصلين معنًى، تأكيدًا لما في وصية لقمان لابنه من النهي عن الشرك.
فإن قلت: لم فصل بين الوصية ومفعولها بقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
(٢) فتح الرحمن.