شديد ونشاط وعجب وخفةً؛ أي: مشيًا كمشي المرح من الناس، كما يرى من كثيرهم، لا سيما إذا لم يتضمن مصلحة دينية أو دنيوية؛ أي: ولا تمش في الأرض مختالًا متبخترًا؛ لأن تلك مشية الجبارين المتكبرين الذين يبغون في الأرض، ويظلمون الناس، بل امش هونًا، فإن ذلك يفضي إلى التواضع، وبذا تصل إلى كل خير.
روى (١) يحيى بن جابر الطائي عن غضيف بن الحارث قال: جلست إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعته يقول: إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول: يا ابن آدم، ما غرك بي، ألم تعلم أني بيت الوحدة، ألم تعلم أني بيت الظلمة، ألم تعلم أني بيت الحق، يا ابن آدم، ما غرك بي لقد كنت تمشي حولي فدادًا - ذا خيلاء وكبر -. وفي الحديث: "من جرّ ثوبه خيلاء.. لا ينظر الله إليه يوم القيامة".
ثم ذكر علة النهي بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَا يُحِبُّ﴾ ولا يرضى ﴿كُلَّ مُخْتَالٍ﴾ ومتبختر في مشيه ﴿فَخُورٍ﴾ على الناس، والمختال من الاختيال، وهو التكبر عن تخيل فضيلة فيه، كما سيأتي؛ أي: لا يرضى عن المتكبر المتبختر في مشيته، بل يسخط عليه، وهو بمقابلة الماشي مرحًا، والفخور: هو الذي يفتخر على الناس بما لَهُ من المالِ أو الشرف أو القوة أو غير ذلك، وليس منه التحدث بنعم الله عليه، فإن الله يقول: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ وهو بمقابلة المصعر خده، وتأخيره لرعاية الفواصل.
وفي الحديث: "خرج رجل يتبختر في الجاهلية، عليه حقة، فأمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".
قال بعض الحكماء (٢): إذا افتخرت بفرسك.. فالحسن والفراهة له دونك، وإن افتخرت بثيابك وآلاتك.. فالجمال لها دونك، وإن افتخرت بآبائك.. فالفضل فيهم لا فيك، ولو تكلمت هذه الأشياء.. لقالت: هذه محاسننا فما لك

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon