جَهِيْرُ الْكَلاَمِ جَهِيْرُ الْعُطَاسْ جَهِيْرُ الرُّوَاءِ جَهِيْرُ النِّعَمْ
وَيَعْدُوْ عَلَى الأيْنِ عَدْوَ الظَّلِيْمِ وَيَعْلُو الرِّجَالَ بِخَلْق عَمِمْ (١)
وقال قتادة: أقبح الأصوات صوت الحمير، أوله زفير وآخره شهيق، قال المبرد: تأويله: إن الجهر بالصوت ليس بمحمود، وإنه داخل في باب الصوت المنكر. اهـ.
وأفرد الصوت مع إضافته إلى الجمع، لما أن المراد ليس بيان حال صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع، بل بيان حال صوت هذا الجنس من بين أصوات سائر الأجناس، فإن كل حيوان يفهم من صوته أنه يصيح من ثقل أو تعب، كالبعير أو لغير ذلك، والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح، ولو قتل لا يصيح، وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهق بصوت أوله زفير وآخره شهيق، وهما فعل أهل النار.
قال أبو الليث: صوت الحمار كان هو المعروف عند العرب وسائر لناس بالقبح، وإن كان قد يكون ما سواه أقبح منه في بعض الحيوان، وإنما ضرب الله المثل بما هو معروف عند الناس بالقبح؛ لأن أوله زفير وآخره شهيق، كصوت أهل النار، يتوحش من يسمعه ويتنفر منه كل التنفر.
والمعنى: أن أنكر أصوات الناس حين يصوتون ويتكلمون، لصوت من يصوت صوت الحمار؛ أي: يرفع صوته عند التصويت كما يرفع الحمار صوته.
قال سفيان الثوري: صوت كل شيء تسبيح إلا صوت الحمير، فإنها تصيح لرؤية الشيطان، ولذلك سماه منكرًا. وفي الحديث: "إذا سمعتم نهاقة الحمير - وهو بالضم صوتها - فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا، وإذا سمعتم صياح الديكة، بفتح الياء جمع ديك.. فاسألوا من فضله، فإنها رأت ملكًا". وفي الحديث دلالة على نزول الرحمة عند حضور أهل الصلاح، فيستحب الدعاء في ذلك الوقت، وعلى نزول الغضب عند أهل المعصية، فيستحب التعوذ، كما في
(١) الرواء - بالضم -: المنظر الحسن، والنعم: الإبل، والأين: الإعياء، والخلق: العمم التام.


الصفحة التالية
Icon