والمعنى: أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم بما هم عليه من الشرك ﴿إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾؛ أي: إلى عذاب النار الشديدة الاتقاد والالتهاب، فهم مجيبون إليه حسبما يدعوهم؛ أي: أيتبعونهم في حال دعاء الشيطان آباءَهم إلى العذاب، مع أنه لا ينبغي أتباعهم في هذه الحال؛ لأنها حال تلفٍ وعذاب.
ويجوز أن يراد أنه يدعو هؤلاء الأتباع إلى عذاب السعير؛ لأنه زين لهم اتباع آبائهم والتدين بدينهم، ويجوز (١) أن يراد أنه يدعو جميع التابعين والمتبوعين إلى العذاب، فدعاؤه للمتبوعين بتزيينه لهم الشرك، ودعاؤه للتابعين بتزيينه لهم دين آبائهم، وفي الآية منع صريح من التقليد، وما أقبح التقليد، وأكثر ضرره على صاحبه، وأوخم عاقبته، وأشأم عائدته على من وقع فيه، فإن الداعي له إلى ما أنزل الله على رسوله، كمن يريد أن يذود الفراش عن لهب النار لئلا تحترق، فتأبى ذلك، وتتهافت في نار الحريق وعذاب السعير.
فائدة: والتقليد لغةً (٢): وضع الشيء في العنق محيطًا به، ومنه القلادة، ثم استعمل في تفويض الأمر إلى الغير كأنه ربطه بعنقه، واصطلاحًا: قبول قول الغير بلا حجة، فيخرج الأخذ بقول النبي - ﷺ -؛ لأنه حجة في نفسه، وفي "التعريفات" (٣): التقليد: عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقدًا للحقية فيه من غير نظر وتأمل في الدليل، كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادةً في عنقه. انتهى.
والمعنى (٤): أي أيتبعونهم على كل حال دون نظر إلى الدليل، فربما كان اعتقادهم مبنيًا على الهوى وترهات الأباطيل، سداه ولحمته: ما زينه لهم الشيطان من وساوس لا تستند إلى حجة ولا برهان.
والخلاصة: أما كان لهم أن يفكروا ويتدبروا حتى يعلموا الحق من الباطل،
(٢) روح البيان.
(٣) التعريفات.
(٤) المراغي.