عبادتهم؛ لأنهم ملكه، وهم المحتاجون إليه، وكلمة (١) ﴿هو﴾ للحصر؛ أي: هو الغني وحده، وليس معه غني آخر، دليله قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
﴿الْحَمِيدُ﴾؛ أي: المحمود في ذاته وصفاته، وإن لم يكن له حامد.. فهو الحامد لنفسه، أو المحمود على نعمه التي أنعمها عليهم، وفي هذه الآيات أمور:
منها: أنّ التفويض والتوكل وإخلاص القصد والإعراض عما سوى الله تعالى، والإقبال على الله بالتوحيد والطاعة من موجبات حسن العاقبة، وهي الجنة والقربة والوصلة، كما أن الكفر والشرك والرياء والسمعة من أسباب سوء العاقبة، وهي النار والعذاب الغليظ، والفرقة والقطيعة، فالتمسك بأحكام الدين هي العروة الوثقى لأهل اليقين، فإنها لا تنفصم، بخلاف سائر العرى.
ومنها: أنّ ليس لعمر الدنيا بقاء، بل هي ساعة من الساعات، فعلى العاقل أن لا يغتر بالتمتع القليل، بل يتأهب لليوم الطويل.
ومنها: أنّ الله تعالى قدر المقادير، ودبر الأمور، فالكل يجري في الأفعال والأحوال على قضائه وقدره، وليس على الناصح إلا التبليغ دون الجبر والحزن على عدم القبول، فإن الحجر يصير مرآةً الصيقل.
ومنها: أنّ عدم الجريان بموجب العلم من الجهل في الحقيقة.
ومنها: أنّ الله تعالى خلق الخلق ليربحوا عليه، لا ليربح عليهم، فمنفعة الطاعات والعبادات راجعة إلى العباد، لا إلى الله تعالى، إذ هو غني عن العالمين، لا ينتفع بطاعاتهم، ولا يتضرر بمعاصيهم، فهو يمن عليهم أن هداهم للإيمان والطاعات، وليس لهم أن يمنوا عليه بإسلامهم، جعلنا الله سبحانه وإياكم من عباده المخلصين، وحفظنا في حصنه الحصين، بمنه وكرمه وتوفيقه الرصين.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon