بحسب انقلاب جريان الشمس والقمر على مداراتهما اليومية.
فإن قلت (١): لم قال هنا ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ بلفظ ﴿إِلَى﴾، وقال في فاطر والزمر بلفظ (اللام) حيث قال: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.
قلت: لأن ما هنا وقع بين جملتين دالّتين على غاية ما ينتهي إليه الخلق، وهما قوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا﴾ الآية، فناسب ذكر (إلى) الدالة على الانتهاء.
والمعنى: لا يزال كل من الشمس والقمر جاريًا، حتى ينتهي إلى آخر وقت جريه المسمى له، وما في فاطر والزمر خالٍ عن ذلك، إذ ما في فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهاء به، وما في الزمر ذكر مع ابتداءٍ به فناسب ذكر اللام المعدية.
والمعنى: يجري كل مما ذكر لبلوغ أجلٍ.
وقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾؛ أي: عالم بكنهه، معطوف على ﴿أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ﴾ إلخ، داخل معه في حيز الرؤية، فإن من شاهد ذلك الصنع الرائق، والتدبير اللائق، لا يكاد يغفل عن كون صانعه محيطًا بجلائل أعماله ودقائقها؛ أي: وأن الله سبحانه بأعمالكم من خير أو شر خبير بها، مطلع عليها، لا تخفى عليه خافية من أمرها، وهو مجازيكم بها.
قرأ الجمهور (٢): ﴿تَعْمَلُونَ﴾ بالفوقية على الخطاب، وقرأ السلمي ونصر بن عامر وعياش الدوري عن أبي عمرو: ﴿بما يعملون﴾ بياء الغيبة.
٣٠ - والإشارة في قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ إلى ما تقدم ذكره، و (الباء) في ﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾: للسببية؛ أي: ذلك المذكور من سعة العلم، وشمول القدرة، وعجائب الصنع، واختصاص الباري بها كائن بسبب أن الله تعالى: ﴿هُوَ الْحَقُّ﴾ إلهيته فقط الثابت وجوده، ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ﴾؛ أي: يعبدون ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى من الأصنام

(١) فتح الرحمن.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon