حيث جعل الماء مركبًا لكم لتقريب المزار. اهـ؛ أي: تجري في البحر بلطفه بكم، وبرحمته لكم، وذلك من أعظم نعمة عليكم؛ لأنها تخلصكم من الغرق عند أسفاركم في البحر لطلب الرزق.
وقرأ الجمهور: ﴿بِنِعْمَتِ اللَّهِ﴾ على الإفراد اللفظي، وقرأ (١) الأعرج والأعمش وابن يعمر: ﴿بنعمات الله﴾ بكسر النون وسكون العين جمعًا بالألف والتاء، وقرأ ابن أبي عبلة بفتح النون وكسر العين بالألف والتاء، وقال أبو حيان: والباء تحتمل السببية؛ أي: تجري بسبب الريح، وتسخير الله تعالى، وتحتمل الحالية؛ أي: مصحوبةً بنعمة الله، وهي ما تحمله السفن من الطعام والأرزاق والتجارات. انتهى.
وقال ابن عطية: الباء للإلصاق. انتهى. وقرأ موسى بن الزبير: ﴿الفلك﴾ بضم اللام، ﴿لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ﴾ من للتبعيض (٢)؛ أي: ليريكم بعض دلائل قدرته وعجائب صنعه، قال يحيى بن سلام: وهو جري السفك في البحر بالريح، وقال ابن شجرة: المراد بقوله: ﴿مِنْ آيَاتِهِ﴾ ما يشاهدونه من قدرة الله تعالى، وقال النقاش: ما يرزقهم الله في البحر.
والمعنى: أي ألم تشاهد أيها الرسول السفن وهي تسير في البحر حاملة للأقوات والمتاع من بلد إلى آخر، ومن قطر إلى قطر هو في حاجة إليها، لينتفع الناس بما على ظاهر الأرض مما ليس في أيديهم، وفي هذا دليل على عجيب قدرته، التي ترشدكم إلى أنه الحق الذي أوجد ما ترون من الأحمال الثقيلة على وجه الماء، الذي ترسب فيه الإبرة فما دونها.
ثم ذكر من يستفيد من النظر في الآيات، فقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور من أمر الفلك والبحر ﴿لَآيَاتٍ﴾ عظيمة في ذاتها، كثيرة في عددها، ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾؛ أي: مبالغ في الصبر على المشاق، فيتعب نفسه في التفكر في الأنفس والآفاق ﴿شَكُورٍ﴾؛ أي: مبالغ في الشكر على نعمائه، فبعث نفسه في التفكر في

(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon