هذا المقام وجوه من الإعراب، الأوجه الأنسب بما بعده، أنه مبتدأ، وجملة قوله ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ ولا شك حال، من ﴿الْكِتَابِ﴾؛ أي: حال كونه لا شك فيه عند أهل الاعتبار ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ خبر المبتدأ، فان كونه من رب العالمين، حكم مقصود الإفادة، وإنما كان منه لكونه معجزًا، والضمير (١) في ﴿فِيهِ﴾: عائد إلى مضمون الجملة.
والمعنى: تنزيل الكتاب، كائن من رب العالمين، حال كونه لا ريب فيه؛ أي: في كونه منزلًا من رب العالمين، لأنه معجز للبشر؛ أي: إن الكتاب المتلو عليك يا محمد، لا ريب ولا شك في أنه منزل من رب العالمين، وأنه ليس بكذب، ولا سحر ولا كهانةٍ ولا أساطير الأولين.
٣ - فلما أنكرت قريش كونه منزلًا من رب العالمين.. قال: ﴿أَمْ﴾ منقطعة تقدر ببل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: بل أ ﴿يَقُولُونَ﴾؛ أي: أيقول أهل مكة ﴿افْتَرَاهُ﴾؛ أي: افترى محمد هذا القرآن واختلفه من عند نفسه، لا ينبغي ولا يليق منهم هذا القول، فهذا القول منهم منكر متعجب منه، لغاية ظهور بطلانه.
فأضرب عن الكلام الأول إلى ما هو معتقد الكفار، مع الاستفهام المتضمن للتقريع والتوبيخ، حيث قال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ ثم أضرب عن معتقدهم إلى بيان ما هو الحق في شأن الكتاب، فقال: ﴿بَلْ هُوَ﴾؛ أي: هذا القرآن ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾؛ أي: ليس هو كما قالوا مفترًى، بل هو الحق من ربك.
ونظم الكلام (٢): أنه أشار أولًا إلى إعجازه، ثم رتب عليه أن تنزيله من رب العالمين، وقرر ذلك بنفي الريب عنه، ثم أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك، إنكارًا له، وتعجيبًا منه، ثم أضرب عنه إلى إثبات أنه الحق المنزل من الله، وبين المقصود من تنزيله والعلة فيه فقال: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ وتخوف يا محمد ﴿قَوْمًا﴾ هم العرب، والظاهر أن المفعول الثاني للإنذار: محذوف،

(١) النسفي.
(٢) البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon