وصول عناد وإنكار، لا وصول قبول وإقرار.. لم يصر جوهرًا للهداية، وهكذا حال ورثته من المصرين والمنكرين.
ومعنى الآيتين: أن (١) هذا القرآن الذي أنزل على محمد، لا شك أنه من عند الله، وليس بشعر ولا كهانة، ولا مما تخرصه محمد - ﷺ - بل هو الحق والصدق من عند ربك، أنزله إليك لتنذر قومك بأس الله وسطوته، أن تحل بهم على كفرهم به، وأنه لم يأتهم نذير من قبلك، ليبين لهم سبيل الرشاد، وأن محمدًا لم يختلقه كما يزعمون، وفي هذا رد لقولهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾.
٤ - ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود الذي يستحق منكم العبادة أيها الناس، هو الإله ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وأوجد ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ السبع ﴿وَالْأَرْضَ﴾ على غير مثال سبق؛ أي: أبدع الأجرام العلوية والسفلية ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾؛ أي: ما بين السماوات والأرض من السحاب والرياح وغيرهما؛ أي: خلقهما وما فيهما وما بينهما ﴿فِي﴾ مقدار ﴿سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من أيام الدنيا، التي أولها الأحد وآخرها الجمعة، قاله (٢) الحسن، وقيل: مقدار اليوم منها ألف سنة من سنين الدنيا، قاله الضحاك، فعلى هذا: المراد بالأيام هنا: هي من أيام الآخرة، لا من أيام الدنيا، أو المعنى: خلقهما (٣) وما فيهما وما بينهما في ستة أطوارٍ في نظر الناظرين إليها، وليس المراد اليوم المعروف؛ لأنه قبل خلق السماوات لم يكن ليل ولا نهار، وإنما خلقها في ستة أيام مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، بأن يقول لها: كوني فتكون، ليعلم عباده الرفق والتأني، والتثبت في الأمور وعدم العجلة، وفي آية أخرى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)﴾.
﴿ثُمَّ﴾ بعد خلق السماوات والأرض وما بينهما ﴿اسْتَوَى﴾؛ أي: علا وارتفع سبحانه ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ استواءٍ يليق بجلاله، لا يكيف ولا يمثل ولا يشبه؛
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.