النفي؛ أي: لا أحد أشد ظلمًا ﴿مِمَّنْ ذُكِّرَ﴾ ووعظ ﴿بِآيَاتِ رَبِّهِ﴾؛ أي: بالقرآن، ﴿ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا﴾؛ أي: عن تلك الآيات، فلم يتفكر فيها، ولم يقبلها، ولم يعمل بموجبها، بل تناساها كأنه لا يعرفها، لكونه سمع من آيات الله ما يوجب الإقبال على الإيمان والطاعة، فجعل الإعراض مكان ذلك.
والإتيان (١) بـ ﴿ثُمَّ﴾ لاستبعاد الإعراض عنها، مع غاية وضوحها، وإرشادها إلى سعادة الدارين، كقولك لصاحبك: دخلت المسجد، ثم لم تصل فيه، استبعادًا لتركه الصلاة فيه.
والمعنى: هو أظلم من كل ظالم، وإن كان سبك التركيب على نفي الأعظم من غير تعرض لنفي المساوي.
ثم بين جزاءه على ذلك فقال: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾؛ أي: من كل من اتصف بإجرام، وإن هانت جريمته ﴿مُنْتَقِمُونَ﴾ بالعذاب، فكيف من كان أظلم من كل ظالم، وأشد جرمًا من كل مجرم، يقال: انتقمه: إذا عاقبه على جريمته؛ أي: إنا سننتقم أشد الانتقام من الذين اجترحوا السيئات، واكتسبوا الآثام والمعاصي، روى ابن جرير بسنده عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "ثلاث من فعلهن.. فقد أجرم، من عقد لواءً في غير حق، أو عقّ والديه، أو مشى مع ظالم لينصره، يقول الله: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ ".
واعلم: أن الظلم أقبح الأمور، ولذلك حرمه الله على نفسه، فينبغي للعاقل أن يتعظ بمواعظ الله، ويتخلق باخلاقه، ويجتنب عن أذية الروح - بموافقة النفس والطبيعة - وأذية عباد الله تعالى.
٢٣ - ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾؛ أي: التوراة؛ أي: وعزتي وجلالي لقد آتينا وأعطينا موسى بن عمران التوراة، كما آتيناك القرآن ﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ﴾؛ أي: في شك ﴿مِنْ لِقَائِهِ﴾؛ أي (٢): من لقائك موسى عليه السلام ليلة المعراج، قاله ابن عباس رضي الله عنهما.

(١) روح البيان.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon