يعترفون بنبوته، والنصارى كانوا يقرون بنبوة موسى، فذكر المجمع عليه.
وقد يكون ذكره لأن الآية جاءت تسلية لرسوله - ﷺ -، فإنه لما أتى بكل آية، وذكرهم، وأعرض قومه عنها.. حزن حزنًا شديدًا، فقيل له: تذكر حال موسى ولا تحزن، فإنه قد لقي مثل ما لقيت، وأوذي كما أوذيت، فإن من لم يؤمن به.. آذاه، كفرعون وقومه، ومن آمنوا به من بني إسرائيل آذوه أيضًا بالمخالفة له، كقولهم: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ وقولهم: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾ وغيره من الأنبياء لم يؤذه إلا من لم يؤمن به.
﴿وَجَعَلْنَاهُ﴾؛ أي: وجعلنا الكتاب الذي آتيناه موسى، أو جعلنا موسى، فالضمير إما للكتاب أو لموسى ﴿هُدًى﴾ مرشدًا ﴿لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ من الضلالة إلى طريق الهدى، كما جعلناك مرشدًا لأمتك؛ لأنه أنزل إليهم وهم متعبدون به دون بني إسماعيل، وعليهم يحمل الناس في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾. ونحو الآية قوله: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (٢)﴾.
٢٤ - ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ﴾؛ أي: من بني إسرائيل ﴿أَئِمَّةً﴾؛ أي: رؤساء وعلماء، وقيل: أنبياء، قاله قتادة. ﴿يَهْدُونَ﴾ يرشدون الخلق إلى الحق بما في التوراة من الشرائع والأحكام، والحكم ﴿بِأَمْرِنَا﴾ إياهم بذلك، أو بتوفيقنا لهم ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ على الحق في جميع الأمور والأحوال، و ﴿لَمَّا﴾ (١) إما شرطية لما فيها من معنى الجزاء، نحو: أحسنت إليك لما جئتني، وجوابها معلوم مما قبلها، والتقدير: لما صبر الأئمة والعلماء من بني إسرائيل على المشاق وطريق الحق.. جعلناهم أئمة، أو ظرفية بمعنى: حين، فلا جواب لها؛ أي: جعلناهم أئمة حين صبروا على المشاق.
وقوله: ﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: أئمة بني إسرائيل ﴿بِآيَاتِنَا﴾ التنزيلية التي في تضاعيف الكتاب ﴿يُوقِنُونَ﴾؛ أي: يصدقون أنها من عند الله تعالى، لإمعانهم فيها

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon