أي: إن ربك يقضي بين خلقه يوم القيامة فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون، من أمور الدين والثواب والعقاب، فيدخل الجنة أهل الحق، ويدخل النار أهل الباطل.
٢٦ - وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ تخويف لكفار مكة، و (الهمزة) فيه: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، و (الواو): عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير؛ أي: أغفلوا ولم يبين مآل أمرهم، والفاعل: ما دل عليه قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾؛ أي: كثرة إهلاكنا؛ لأن كم لا يقع فاعلًا، فلا يقال: جاءني كم رجل، ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾؛ أي: من قبل أهل مكة ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾؛ أي: من الأمم الماضية، كعاد وثمود حالة كون أهل مكة ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾؛ أي: في مساكن أولئك القرون، والجملة: حال من ضمير ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: أغفلوا من حالهم ومآلهم، ولم يبين لهم مآلهم، وهو الإهلاك إن استمروا على التكذيب كثرة إهلاكنا من قبلهم من القرون، مثل عاد وثمود وقوم لوط، حالة كون أهل مكة يمرون في متاجرهم إلى الشام على ديار الهالكين وبلادهم، ويشاهدون آثار هلاكهم وخراب منازلهم.
والخلاصة: أولم يرشد هؤلاء المكذبين بالرسول ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية بتكذيبهم لرسلهم، ومخالفتهم إياهم فيما جاؤوهم به من سبل الحق، فلم يبق منهم باقية، والحال أنهم يمشون في مساكنهم في متاجرهم إلى الشام، ونحو الآية قوله: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾. وقوله: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ وقوله: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥)﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ بالياء التحتية، وقرأ السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب: بالنون، وهذه القراءة واضحة، قال النحاس: والقراءة بالياء فيه إشكال؛ لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل، فأين الفاعل ليهدوا؟ ويجاب عنه بأن الفاعل هو ما قدمنا ذكره. اهـ.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الإهلاك وما يتعلق به من الآثار ﴿لَآيَاتٍ﴾ عظيمة ومواعظ بليغة، وحججًا قاطعةً لكل مستبصر ومعتبر بها؛ أي: إن في خلاء مساكن القرون


الصفحة التالية
Icon