بينهم وبين الرسول - ﷺ - على سبيل الاستهزاء والسخرية والتكذيب، فقال: ﴿وَيَقُولُونَ﴾؛ أي: ويقول المشركون عمومًا، أو مشركو مكة على طريق الاستهزاء والاستبعاد والتكذيب: ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾ الذي تدعي يا محمد؛ أي: في أيّ وقت يكون لك الفتح والنصر علينا والظفر بنا، وكلمة ﴿مَتَى﴾ (١): في موضع رفع على الخبرية، أو في موضع نصب على الظرفية، والاستفهام فيها: استفهام استهزاء، لا استفهام سؤال، وذلك (٢) أن المؤمنين كانوا يقولون لكفار مكة: إن لنا يومًا يفتح الله فيه بيننا وبينكم؛ أي: يحكم ويقضي، يريدون يوم القيامة، أو إن الله سيفتح لنا على المشركين، ويفصل بيننا وبينهم، وكان أهل مكة إذا سمعوه.. يقولون بطريق الاستعجال تكذيبًا واستهزاء: ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾؛ أي: في أي وقت يكون الحكم والفصل، أو النصر والظفر علينا ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في أنه كائن.
أي (٣): متى تنصر علينا أيها الرسول كما تزعم، ومتى ينتقم الله منا، وما نراك وأصحابك إلا مختفين خائفين، أذلة، إن كنتم صادقين في الذي تقولون، من أنا معاقبون على تكذيبنا الرسول، وعبارة الآلهة والأوثان، وهم ولا شك لا يستعجلونه، إلا لاستبعادهم حصوله، وإنكارهم إياه، وتكذيبهم له،
٢٩ - وقد أمر الله سبحانه نبيه - ﷺ - أن يجيبهم عن استبعادهم موبخًا لهم بقوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد تبكيتًا لهم، وتحقيقًا للحق: لا تستعجلوا ولا تستهزئوا فإن ﴿يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ يوم إزالة الشبهة بإقامة القيامة، فإن أصله: إزالة الإغلاق والأشكال، أو يوم الغلبة على الأعداء ﴿لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مفعول به ﴿إِيمَانُهُمْ﴾ فاعل، ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾؛ أي: يمهلون ويؤخرون.
أما (٤) إذا كان المراد به يوم القيامة، فإن الإيمان يومئذ لا ينفع الكافر لفوات الوقت، ولا يمهل أيضًا في إدراك العذاب، ولا في بيان العذر، فإنه لا

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon