المناسبة
قد تقدم لك بيان المناسبات بين بداية هذه السورة، ونهاية السورة السالفة، وأما قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ...﴾ الآيات، فمناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما أمر نبيه (١) بتقواه والخوف منه، وحذر من طاعة الكفار والمنافقين والخوف منهم.. ضرب لنا الأمثال، ليبين أنه لا يجتمع خوف من الله وخوف من سواه، فذكر أنه ليس للإنسان قلبان، حتى يطيع بأحدهما ويعصي بالآخر، وإذا لم يكن للمرء إلا قلب واحد، فمتى اتجه لأحد الشيئين صد عن الآخر، فطاعة الله تصد عن طاعة سواه، وأنه لا تجتمع الزوجية والأمومة في امرأة، والبنوة الحقيقية والتبني في إنسان.
قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما أبان (٢) فيما سلف أن الدعي ليس ابنًا لمن تبناه، فمحمد - ﷺ - ليس أبًا لزيد من حارثة، ثم أعقب ذلك بالإرشاد إلى أن المؤمن أخو المؤمن في الدين، فلا مانع أن يقول إنسان لآخر أنت أخي في الدين.. أردف ذلك ببيان أن محمدًا - ﷺ - ليس أبًا لواحدٍ من أمته، بل أبوته عامة، وأزواجه أمهاتهم، وأبوته أشرف من أبوة النسب؛ لأن بها الحياة الحقيقية. وهذه بها الحياة الفانية، بل هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا حضهم على الجهاد ونحوه.. فذلك لارتقائهم الروحي، فإذًا كيف يستأذن الناس آباءهم وأمهاتهم حين أمرهم - ﷺ - بغزوة تبوك، وهو أشفق عليهم من الآباء، بل من أنفسهم.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية بما قبلها: أن الله سبحانه لما أبان فيما سلف أحكامًا شرعها لعباده، وكان فيها أشياء مما كان في الجاهلية، وأشياء مما كان في الإِسلام، ثم أبطلت ونسخت.. أتبع ذلك بذكر ما فيه حث على التبليغ، فذكر أخذ العهد على النبيين أن يبلغوا رسالات ربهم، ولا سيما أولو العزم منهم، وهم الخمسة
(٢) المراغي.