وقيل (١): هي مثل ضربه الله للمظاهر؛ أي: كما لا يكون للرجل قلبان، كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه، حتى يكون لَهُ أُمَّان، وكذلك لا يكون الدعي ابنًا لرجلين، وقيل: كان الواحد من المنافقين يقول: لي قلب يأمرني بكذا، وقلب ينهاني عن كذا، فنزلت الآية لرد النفاق، وبيان أن النفاق لا يجتمع مع الإِسلام، كما لا يجتمع قلبان في جوف واحد.
﴿وَمَا جَعَلَ﴾ سبحانه ﴿أَزْوَاجَكُمُ﴾؛ أي: نساءَكم وزوجاتكم أيها الرجال جمع زوج ﴿اللَّائِي﴾ جمع التي ﴿تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ﴾؛ أي: تقولون لهن، أنتن علينا كظهور أمهاتنا؛ أي: في التحريم، فإن معنى ظاهر من امرأته: قال لها: أنت علي كظهر أمي، فهو مأخوذ من الظهر بحسب اللفظ، كما يقال: لبى المحرم: إذا قال: لبيك، وأفف الرجل: إذا قال: أفٍّ، وتعديته بـ ﴿من﴾ لتضمينه التجنب، وكان طلاقًا في الجاهلية، وكانوا يجتنبون المظاهر، منها كما يجتنبون المطلقة.
فمعنى أنت علي كظهر أمي (٢): أنت علي حرام كبطن أمي، فكنوا عن البطن بالظهر، لئلا يذكروا البطن، الذي ذكره يقارب ذكر الفرج، وإنما جعلوا الكناية بالظهر عن البطن، لأنه عمود البطن قوام البنية، ﴿أُمَّهَاتِكُمْ﴾؛ أي: كأمهاتكم في الحرمة.
والمعنى: ما جمع الله الزوجية والأمومة في امرأة؛ لأن الأم مخدومة لا يتصرف فيها، والزوجة خادمة يتصرف فيها، والمراد بذلك: نفي ما كانت العرب تزعمه، من أن الزوجة المظاهر منها كالأم؛ أي: ولم يجعل (٣) الله سبحانه لكم أيها الرجال نساءكم اللاتي تقولون لهن: أنتن علينا كظهور أمهاتنا أمهاتكم، بل جعل ذلك من قبلكم كذبًا، لا من قبل الله سبحانه، بل ألزمكم عقوبةً وكفارةً على ذلك، كما سيأتي بيانها في سورة المجادلة.
وقد كان الرجل في الجاهلية متى قال هذه المقالة لامرأته.. صارت حرامًا
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.