أنت ابني ﴿قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ فقط؛ أي: قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له ولا تأثير له إذ الإبن يكون بالولادة وكذلك الأم فلا تصير به المرأة أمًا، ولا ابن الغير به ابنًا، ولا يترتب على ذلك شيء من أحكام الأمومة والبنوة، وقيل: الإشارة (١) إلى الأخير فقط، لأنه المقصود من سياق الكلام؛ أي: دعاؤكم الدعي بقولكم: هذا ابني قولكم بألسنتكم، لا تأثير له في الأعيان، فهو بمعزل عن أحكام البنوة كما زعمتم، والأفواه جمع فم، كما سيأتي. قال الراغب: وكل موضع علق الله فيه حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب، وتنبيه على أن الاعتقاد لا يطابقه.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَقُولُ﴾ القول ﴿الْحَقَّ﴾ والصدق، والكلام المطابق للواقع الذي يجب اتباعه لكونه حقًا في نفسه، لا باطلًا، فيدخل تحته دعاء الأبناء لآبائهم، أو يحكم الحكم الحق، وهو أن غير الابن لا يكون ابنًا، ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَهْدِي﴾ ويرشد ﴿السَّبِيلَ﴾؛ أي: سبيل الحق لا غيره، فدعوا أقوالكم وخذوا بقوله هذا؛ أي: يدل على الطريق الموصلة إلى الحق.
وقرأ الجمهور: ﴿يَهْدِي﴾ مضارع هدى، وقتادة: بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال. ذكره أبو حيان.
والمعنى (٢): أي والله هو الصادق الذي يقول الحق، وبقوله يثبت نسب من أثبت نسبه، وبه تكون المرأة أمًا إذا حكم بذلك، وهو يبيّن لعباده سبيل الحق، ويهديهم إلى طريق الرشاد، فدعوا قولكم وخذوا بقوله عزّ اسمه.
وفي هذا: إرشاد للعباد إلى قول الحق، وترك قول الباطل والزور.
وخلاصة ما سلف:
١ - أنه لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين؛ لأنه إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر، فأحدهما يكون نافلة غير محتاج إليه، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك، وهذا يؤدي إلى التناقض في أعمال الإنسان،

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon