بحفر خندق حول المدينة، بإشارة سلمان الفارسي، وعمل فيه رسول الله - ﷺ - والمسلمون، وأحكموه، وكان رسول الله - ﷺ - يرتجز بكلمات ابن رواحة، ويقول:
لَا هُمَّ لَوْلاَ أنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا | وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيُنَا |
فَأَنْزَلَنْ سَكِيْنَةً عَلَيْنَا | وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا |
وَالْمُشْرِكُوْنَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا | إِذَا أرَادُوْا فِتْنَةً أَبَيْنَا |
وفي أثناء العمل برزت لهم صخرة بيضاء في بطن الخندق، فكسرت حديدهم، وشقت عليهم، فلما علم بها - ﷺ -.. أخذ المعول من سلمان، وضربها به ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها - جانبي المدينة - حتى كأن مصباح في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله - ﷺ - تكبير فتح، وكبر المسلمون، وهكذا مرة ثانيةً وثالثةً، فكانت تضيء وكان التكبير، ثم قال رسول الله - ﷺ -: "ضربت ضربتي الأولى، فبرق البرق الذي رأيتم، فأضاء لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق البرق الذي رأيتم، أضاء لي منها قصور قيصر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثالثة، فبرق البرق الذي رأيتم، أضاء لي منها قصور صنعاء، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فابشروا" فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد لله الذي صدقنا وعده، فقال المنافقون: ألا تعجبون! يمنيكم، ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه ينظر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وإنكم إنما تحفرون الخندق من الفرق، لا تستطيعون أن تبرزوا، فنزل:
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ...﴾ إلخ. ونزل:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...﴾ الآية.
ولما اجتمع هؤلاء الأحزاب، الذين حزبهم اليهود، وأتوا إلى المدينة.. رأوا الخندق حائلًا بينهم وبينها، فقالوا: والله هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، ووقعت مصادمات بين القوم كرًا وفرًا، فمن المشركين من كان يقتحم