الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ}؛ أي: الجنود المجتمعة لمحاربة النبي - ﷺ - وأصحابه يوم الخندق، والحزب: جماعة فيها غلظ، كما في "المفردات".. ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال المؤمنون ﴿هَذَا﴾ البلاء العظيم، والإشارة (١) بقوله: ﴿هَذَا﴾ إلى ما رأوه من الجيوش، أو إلى الخطب الذي نزل بهم، والبلاء الذي دهمهم ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ﴾ سبحانه وأخبرنا به، ﴿وَرَسُولُهُ﴾ - ﷺ - بقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ﴾ الآية. وبقوله - ﷺ -: "سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم، والعاقبة لكم عليهم"، وبقوله عليه السلام: "إن الأحزاب سائرون، إليكم بعد تسع ليال أو عشر" كما روي عن ابن عباس قال: قال النبي - ﷺ - لأصحابه: "إن الأحزاب سائرون، إليكم تسعًا أو عشرًا؛ أي: في آخر تسع ليال أو عشر، فلما رأوهم قد أقبلوا من حين الإخبار.. قالوا ذلك، وهذا القول استبشار بحصول ما وعدهم الله تعالى ورسوله - ﷺ -، من مجيء هذه الجنود، وأنه يعقب مجيئهم إليهم نزول النصر والظفر من عند الله تعالى.
ثم أردفوا ما قالوه بقولهم: ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾؛ أي: ظهر صدق خبر الله ورسوله - ﷺ - ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾ ما رأوه ﴿إِلَّا إِيمَانًا﴾ بالله وتصديقًا بمواعيده ﴿وَتَسْلِيمًا﴾ لأوامره ومقاديره، وقال الفراء: ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانًا وتسليمًا.
وقرأ ابن أبي عبلة (٢): ﴿وما زادوهم﴾ بالواو وضمير الجميع يعود على الأحزاب؛ أي: ولما أبصر (٣) المؤمنون الصادقون المخلصون لله في القول والعمل الأحزاب، الذين أدهشت رؤيتهم العقول، وتبلبلت لها الأفكار، واضطربت الأفئدة.. قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، من الابتلاء والاختبار، الذي يعقبه النصر في نحو قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon