بسفطٍ ففتحه، وأعطاه ثلاث صحائف منه، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت تريد قتلي بكتابٍ واحدٍ، فرد فرحان الملك إلى أخيه شهرمان، فكتب إلى قيصر ملك الروم: أما بعد، إن لي إليك حاجةً لا تحملها البريد، ولا تبلغها الصحف، فألقني في خمسين روميًا، حتى ألقاك في خمسين فارسيًا، فأقبل قيصر في خمس مئة ألف رميٍّ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق، مخافة أن يريد أن يمكر به، حتى أتاه عيونه فأخبروا: أنه ليس معه إلا خمسون فارسيًا، فلما التقيا.. ضربت لهما قبة فيها ديباج، قد خلاها، ومع كل واحد سكين، ودعيا بترجمان يترجم بينهما، فقال شهرمان: إن الذي خرب بلادك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، وأراد أن يقتل أخي فأبيت عليه، ثم أمر أخي بقتلي فأبى عليه، وقد خلعناه جميعًا، ونحن نقاتله معك، فقال: قد أصبتما، وأشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين، فإن جاوزهما.. فشا، فقتلا الترجمان معًا بسكينهما، فأديلت الروم على فارس عند ذلك، وغلبوهم وقتلوهم، ومات كسرى، وجاء الخبر إلى رسول الله - ﷺ - يوم الحديبية، ففرح هو ومن كان معه من المسلمين بذلك، فذلك قوله عز وجل: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾. وهذه آية بينة على صحة نبوته - ﷺ - وأن القرآن من عند الله؛ لأنها أنباء عن علم الغيب.
وعن قتادة: وكان ذلك قبل تحريم القمار، ومن مذهب أبي حنيفة ومحمد، أن العقود الفاسدة، كعقد الربا وغيره: جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار، وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية (١): ما أخرجه ابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: تعجب الكفار من إحياء الله الموتى، فنزلت: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ...﴾ الآية.