وقدره، فهو يقضي في خلقه بما يشاء، ويحكم بما يريد، ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه.
وقرأ الجمهور ﴿مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ بضمهما (١)؛ أي: من قبل غلبة الروم، ومن بعدها، ولما كانا مضافين إلى معرفة، وحذفت.. بنيا على الضم، والكلام على ذلك، مذكور في علم النحو، وقرأ أبو السماك، والجحدري، وعون العقيلي: ﴿من قبلٍ ومن بعدٍ﴾ بالكسر والتنوين فيهما، قال الزمخشري: على الجر من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه، كانه قيل: قبلًا وبعدًا، بمعنى أولًا وآخرًا. انتهى.
وقال ابن عطية: ومن العرب من يقول: من قبلٍ ومن بعدٍ، بالخفض والتنوين، وحكى الكسائي عن بعض بني أسد ﴿لله الأمر من قبلٍ ومن بعدُ﴾ الأول مخفوض منون، والثاني مضموم بلا تنوين.
﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ أي: ويوم إذٍ يغلب الروم على فارس، ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم في بضع سنين ﴿يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ للروم، لكونهم أهل كتاب، كما أن المسلمين أهل كتاب، وفيه فأل حسن، لغلبة المؤمنين على الكافرين، بخلاف فارس فإنه لا كتاب لهم، ولهذا سر المشركون بنصرهم على الروم أولًا، وقد فرح المؤمنون بذلك، وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر، بنزول جبريل بذلك فيه، مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه، قد اجتمعت لهم فرحتان: فرحة بنصر الروم على فارس، وفرحة بنصرهم على المشركين، وقيل: نصر الله: هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين، من غلبة الروم على فارس، والأول أولى.
وقال بعضهم: يفرح المؤمنون بقتل الكفار بعضهم بعضًا، لما فيه من كسر شوكتهم، وتقليل عددهم، لا بظهور الكفار، كما يفرح بقتل الظالمين بعضهم بعضًا.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon